الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ كَذٰلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَآءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْراً } * { مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وِزْراً } * { خَالِدِينَ فِيهِ وَسَآءَ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ حِمْلاً } * { يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ وَنَحْشُرُ ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمِئِذٍ زُرْقاً } * { يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً } * { نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً }

قوله تعالى: " كَذَلِكَ نَقُصُّ " الكاف إما نعت لمصدر محذوف، أو حال من ضمير ذلك المصدر المقدر، والتقدير: كقصّنا هذا النبأ الغريب نقص، و " مِن أنْبَاءِ " صفة لمحذوف هو مفعول " نَقُصُّ " أي: نقص نبأً من أنباء.

فصل

لمَّا ذكر قصة موسى - عليه السلام - مع فرعون ثم مع السامري قال: { كَذَٰلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ } من أخبار سائر الأمم وأحوالهم تكثيراً لشأنك وزيادةً في معجزاتك { وَقَدْ ءَاتَيْنَاكَ مِن لَدُنَّا ذِكْراً } يعني القرآن (لقوله تعالى):وَهَـٰذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ } [الأنبياء: 50]وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ } [الزخرف: 44]وَٱلْقُرْءَانِ ذِي ٱلذِّكْرِ } [ص: 1]يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ } [الحجر: 6]. وفي تسمية القرآن بالذكر وجوه:

أحدها: أنه كتاب فيه ذكرُ ما يحتاج إليه الناس من أمور دينهم ودنياهم.

وثانيها: أنه يذكر أنواع آلاء الله ونعمائه، وفيه التذكير والموعظة.

وثالثها: فيه الذكر والشرف لك ولقومك كما قال:وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } [الزخرف: 44] وسمى الله تعالى كل كتاب أنزله ذكراً فقال تعالى:فَٱسْأَلُواْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ } [النحل: 43]، [الأنبياء: 7] وكما بيَّن نعمته بذلك بيَّنَ وعيده لمن أعرض عنه فقال: { مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ القِيَٰمَةِ وِزْراً } أي: من أعرض عن القرآن ولم يؤمن به ولم يعمل بما فيه فإنه يحمل يوم القيامة وزراً، والوزرُ هو العقوبة الثقيلة، سماها وزراً لثقلها على المعاقب تشبيهاً بالحمل الثقيل. وقيل: حِمْلاً ثقيلاً من الإثم. قوله: " مَنْ أَعَرَضَ " يجوز أن تكون " مَنْ " شرطية أو موصولة، والجملة الشرطية أو الخبرية الشبيهة بها في محل نصب صفة لـ " ذِكْراً ". قوله: " خَالدينَ فِيهِ " حال من فاعل " يَحْمِلُ ". فإن قيل: كيف يكون الجمع حالاً من مفرد؟

فالجواب: أنه حمل على لفظ " مَنْ " فأفرد الضمير في قوله: " أَعْرَضَ " و " فَإِنَّهُ " و " يَحْمِلُ " ، وعلى معناها فجمع في " خَالِدِينَ " و " لَهُمْ " ، والمعنى مقيمين في عذاب الوزر. والضمير في " فِيهِ " يعود لـ " وِزْراً " ، والمراد فيه العقاب المتسبب عن الوزر، وهو الذَّنب، فأقيم السبب مقام المسبب. وقرأ داود (بن رفيع) " ويُحَمَّل " مضعفاً مبنيًّا للمفعول، والقائم مقام فاعله ضمير " مَنْ " و " وِزْراً " مفعول ثان. قوله: " وَسَاءَ " هذه ساء التي بمعنى بِئْس وفاعلها مستتر فيها يعود إلى " حِمْلاً " المنصوب على التمييز، لأن هذا الباب يفسر الضمير فيه بما بعده، والتقدير: وَسَاءَ الحِمْلُ حِمْلاً، (والمخصوص بالذم محذوف تقديره: وَسَاء الحِمْلُ حِمْلاً وِزْرُهُمْ). ولا يجوز أن يكون الفاعل لبئس ضمير الوِزْر، لأن شرط الضمير في هذا الباب أن يعود على نفس التمييز.

السابقالتالي
2 3 4