الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ ٱلْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ }

فأخبر تعالى أولاً بأنهم لا يتمنّون الموت، ثم أخبر عنهم هنا بأنهم في غاية الحِرْصِ؛ لأن ثم قسماً آخر، وهو أن يكون الإنسان بحيث لا يتمنّى الموت، ولا يتمنّى الحياة.

وهذه " اللام " جواب قسم محذوف، والنون للتوكيد تقديره: والله لتجدنّهم.

و " وجد " هنا متعدية لمفعولين أولهما لضمير، والثاني " أحرص " ، وإذا تعدّت لاثنين كانت: كـ " علم " في المعنى، نحو:وَإِن وَجَدْنَآ أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ } [الأعراف:102].

ويجوز أن تكون متعدية لواحد، ومعناها معنى " لقي وأصاب " ، وينتصب " أحرص " على الحال، إما على رأي مَنْ لا يشترط التنكير في الحال، وإما على رأي من يرى أنَّ إضافة " أفعل " إلى معرفة غير مَحْضَةٍ، و " أحرص " أفعل تفضيل، فـ " مِنْ " مُرادَةٌ معها، وقد أضيفت لمعرفة، فجاءت على أحد الجائزين، أعني عدم المُطَابقة، وذلك أنها إذا أضيفت معرفة على نيّة من أجاز فيها وجهي المطابقة لما قبلها نحو: " الزَّيدان أفضلا الرجال " ، و " الزيدون أفاضل الرجال " ، و " هند فُضْلى " و " الهنود فُضْليات النِّسَاء " ومن قوله تعالى:أَكَٰبِرَ مُجَرِمِيهَا } [الأنعام:123] وعدمها، نحو: " الزيدون أفضل الرجال " ، وعليه هذه الآية، وكلا الوجهين فصيح خلافاً لابن السّراج. وإذا أضيفت لمعرفة لزم أن تكون بعضها، ولذلك منع النحويون " يُوسُفُ أحسن إخوته " على معنى التفضيل، وتأولوا ما يوهم غيره نحو: " النَّاقِصُ والأَشَجُّ أَعْدَلاَ بَنِي مَرْوَانَ " بمعنى العَادِلاَنِ فيهم؛ وأما قوله [الرجز]
673ـ يَا رَبَّ مُوسَى أَظْلَمِي وَأَظْلَمُهْ     فَاصْبُبْ عَلَيْهِ مَلكاً لاَ يَرْحَمُهْ
فشاذٌّ، وسوغ ذلك كون " أظلم " الثاني مقتحماً كأنه قال: " أَظْلَمُنَا ".

وأما إذا أضيف إلى نكرة فقد تقدّم حكمها عند قوله:أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ } [البقرة:41].

قوله تعالى: { عَلَىٰ حَيَٰوةٍ } متعلّق بـ " أَحْرَصَ "؛ لأنّ هذا الفعل يتعدّى بـ " على " تقول: حرصت عليه.

والتنكير في حياة تنبيه على أنه أراد حياةً مخصوصةً، وهي الحياة المتطاولة، ولذلك كانت القراءة بها أوقع من قرأءة أبيّ " على الحياة " بالتعريف.

وقيل:: إن ذلك على حذف مضاف تقديره: على طول الحياة، والظّاهر أنه لا يحتاج إلى تقدير صفة ولا مضاف، بل يكون المعنى: أنهم أحرص النَّاس على مطلق الحياة.

وإن قلت: فكيف وإن كثرت، فيكون أبلغ من وصفهم بذلك، وأصل حياة: " حَيَيَة " تحركت الياء، وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفاً.

قوله: { ومِنَ ٱلَّذِينَ أشْرَكُواْ } يجوز أن يكون متصلاً داخلاً تحت " أفعل " التفضيل ويجوز أن يكون منقطعاً عنه، وعلى القول باتّصاله به فيه ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه حمل على المعنى، فإن معنى أحرص الناس: أحرص من الناس، فكأنه قيل: أحرص من النّاس، ومن الذين أشركوا.

السابقالتالي
2 3 4 5