الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَآ أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَآءَهُ وَهُوَ ٱلْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ }

{ وإذا قيل لهم }: يعني اليهود.

{ ءَامنوا بما أنزل الله }: أي بكل ما أنزل الله، والقائلون بالعموم احتجّوا بهذه الآية على أن لفظه " ما " بمعنى " الذي " تفيد العموم، قالوا: لأن الله ـ تعالى ـ أمرهم أن يؤمنوا بما أنزل الله، فلما آمنوا بالبعض دون البعض ذمهم على ذلك، ولولا أنَّ لفظة " ما " تفيد العموم لما حسن هذا الذم، ثم إنه ـ تعالى ـ أمرهم بذلك { قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَآ أُنْزِلَ عَلَيْنَا } يعني: التوراة وكتب سائر الأنبياء الذين أتوا بتقدير شَرْع موسى ـ عليه السلام ـ ثم أخبر الله ـ تعالى ـ عنهم أنهم يكفرون بما وراءه، وهو الإنجيل والقرآن، وأورد هذه الحكاية عنهم على سبيل الذَّم لهم، وذلك أنه لا يجوز أن يقال لهم: آمنوا بما أنزل الله إلاَّ ولهم طريق إلى أن يعرفوا كونه منزلاً من عند الله، وإلاَّ كان ذلك تكليف ما لا يُطَاق، وإذ أول الدليل على كونه منزلاً من عند الله وجب الإيمان به، فإيمانهم بالبَعْضِ دون البَعْضِ تناقض، ويجاب بوجهين:

أحدهما: أن العموم إنما استفيد من عموم العلّة، وهو كونه من عند الله؛ لأن كلّ ما أنزله الله يجب الإيمان بكونه منزلاً من عند الله لا لكون " ما " يقتضي العموم.

الثاني: أنا لا نمنع أن " ما " استعمل للعموم؛ لأن ذلك مجال لا خلاف فيه، وإنما الخلاف في كونها هل هي موضوعة للعموم أو لا؟

فالقائل بأنها ليست موضوعةً للعموم أنها إنما استعملت للعموم مجازاً هاهنا.

فإن قيل: الأصل في الاستعمال الحقيقة.

فالجواب: أنها لو كانت للعموم حقيقةً لما جاز إدخال لفظة " كل " عليها.

فإن قيل: إنما دخلت " كلّ " للتوكيد.

فالجواب: أن أصل المؤكّد يأتي بعد ما يؤكده لا قبله.

قوله: { وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَآءَهُ } يجوز في هذه الجملة وَجْهَان:

أحدهما: أن تكون [استئنافية استؤنفت] للإخبار بأنهم يكفرون بما عدا التَّوْراة، فلا محل لها من الإعراب.

والثاني: أن تكون خبراً لمبتدأ محذوف، أي: وهم يكفرون، والجملة في محلّ نصب على الحال، والعامل فيها " قالوا " ، أي قالوا: نؤمن حال كونهم كافرين بكذا، ولا يجوز أن يكون العامل فيها " نؤمن ".

قال أبو البقاء: إذا لو كان كذلك لكان لفظ الحال ونكفر، أي ونحن نكفر. يعني: فكان يجب المُطَابقة.

ولا بد من إضمار هذا المبتدأ لما تقدم من أن المضارع المثبت لا يقترن بالواو، وهو نظير قوله: [المتقارب]
662ـ................     نَجَوْتُ وَأَرْهَنُهُمْ مَالِكَا
وحُذِفَ الفاعل من قوله تعالى: " بِمَا أُنْزِلَ " وأقيم المفعولُ مقامه للعلم به، إذ لا يُنَزِّل الكتب السماوية إلا الله، أو لتقدم ذكره في قوله: { بِمَآ أَُنزَلَ ٱللهُ }.

السابقالتالي
2 3 4