الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ بِئْسَمَا ٱشْتَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَآ أنَزَلَ ٱللَّهُ بَغْياً أَن يُنَزِّلُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَآءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ }

" بِئْس " فعل ماض غير متصرِّف، معناه الذَّمُّ، فلا يعمل إلاَّ في معرَّف بـ " أل " أو فيما أضيف إلى ما هُمَا فيه، أو في مضمر مفسَّر بنكرة، أو في " مَا " على قول سيبويه.

وفيه لغات: بَئِسَ ـ بكسر العين وتخفيف ـ هذا الأصل، وبِئِسَ ـ بكسر الفاء إتباعاً للعين، وتخفيف هذا الإتباع، وهو أشهر الاستعمالات ومثلها " نِعْمَ " في جميع ما تقدم من الأحكام واللغات.

قال ابن الخطيب: ما كان ثانية حرفَ حَلْق وهو مكسورٌ يجوز فيه أربع لغات:

الأول: على الأصل أعني: بفتح الأول وكسر الثاني.

والثاني: إتباع الأول للثاني، وهو أن يكون بكسر النون والعين، كما يقال: " فِخِذٌ " بكسر الفاء والخاء، وهم وإن كانوا يفرُّون من الجمع بين الكَسْرتين إلاَّ أنهم جَوّزوه ها هنا؛ لكون الحرف الحَلْقيِّ مستتبعاً لما يجاوره.

الثالث: إسكان الحرف الحَلْقيِّ المكسور، وترك ما قبله ما كان، فيقال: نَعْمَ وَبَأْسَ بفتح الأول وإسكان الثاني؛ كما يقال: " فَخْذٌ ".

الرابع: أن يسكن الحرف الحَلْقيُّ، وتنقل كسرته إلى ما قبله فيقال: " نِعْم " بكسر النون وإسكان العين؛ كما يقال: " فِخْذٌ " بكسر الفاء وإسكان الخاء.

واعلم أن هذا التغيير الأخير، وإن كان في حّدِّ الجواز عند إطلاق هاتين الكلمتين، إلاّ أنهم جعلوه لازماً لهما؛ لخروجهما عمَّا وضعت له الأفعالُ الماضية من الإخبار عن وجود المصدر في الزمان والماضي، وصيرورتهما كلمتي مَدْحِ وذَمٍّ، ويراد بهما المُبَالغة في المدح والذم؛ ليدلّ هذا التَّغيير اللازم في اللَّفظ على التغيير عن الأصل، وفي المعنى؛ فيقولون: " نِعْمَ الرَّجُلُ زَيْدٌ " ولا يذكرونه على الأصل إلا في ضرورة الشِّعْر؛ كما أنشد المبرِّد: [الرمل]
655ـ فَفِدَاءً لِبَنِي قَيْسٍ عَلَى    مَا أَصَابَ النَّاسَ مِنْ شَرٍّ وَضُرْ
مَا أَقَلَّتْ قَدَمَايَ إِنَّهُمْ     نَعِمَ السَّاعُونَ في الأَمْرِ المُبِرْ
وهما فعلان من نَعِمَ يَنْعَمُ وَبئِسَ يَبْأَسُ.

والدليل عليه دخول التاء التي هي علامة التأنيث فيهما، فيقال: نعمتْ وبئستْ.

وزعم الكوفيون أنهما اسمان؛ مستدلين بدخول حرف الجر عليهما في قول حسان: [الطويل]
656ـ أَلَسْتُ بِنِعْمَ الجَارُ يُؤْلِفُ بَيْتَهُ     مِنَ النَّاسِ ذَا مَالٍ كَثِيرٍ وَمُعْدِمَا
وبما روي أن أعرابيًّا بشر بمولودة فقيل له: نعم المولودة مولودتك! فقال: " والله ما هي بنعم المولودة: نُصْرتها بكاء، وبرّها سرقة " و " نِعْمَ السَّيْر على بِئْسَ العِيرِ ". وقوله: [الرجز]
657ـ صَبَّحَكَ اللهُ بِخَيْرٍ بَاكِرِ     بِنِعْمَ طَيْرٍ وَشَبَابٍ فَاخِرِ
وخرجه البصريون على حذف موصوف، قامت صفته مقامه، تقديره: والله ما هي بمولودة مَقُول فيها: نعم المولودة.

فصل في نعم وبئس

اعلم أنَّ " نعم وبئس " أصلان للصّلاح والرَّدَاءة، ويكون فاعلهما اسماً يستغرق الجنس إما مظهراً وإما مضمراً، فالمظهر على وجهين:

الأول: كقولك: " نعم الرجل زيد " لا تريد رجلاً دون رجل، وإنما تقصد الرَّجل على الإطلاق.

السابقالتالي
2 3 4 5 6