قوله: " يخادعون " هذه الجملة الفعلية يحتمل أنْ تكون مستأنفةً جواباً لسؤال مقدّر هو: ما بالهم قالوا: آمنا وما هم بؤمنين؟ فقيل: يخادعون الله، ويحتمل أن تكون بدلاً من الجملة الواقعة صلة لـ " من " وهي " يقول " ، ويكون هذا من بدل الاشْتِمَالِ؛ لأن قولهم كذا مشتمل على الخداع، فهو نظير قوله: [الرجز]
فـ " تؤخذ " بدل اشتمال من " تبايع " ، وكذا " تُلْمِم " بدلٌ من " تَأْتِنَا ". وعلى هذين القولين، فلا مَحَلّ لهذه الجملة من الإعراب. والجمل التي لا مَحَلّ لها من الإعراب أربع لا تزيد على ذلك - وإن توهّم بعضهم ذلك - وهي: المبتدأ والصِّلة والمُعْترضة والمفسّرة، وسيأتي تفسيرها في مواضعها. ويحتمل أن تكون هذه الجملة حالاً من الضَّمير المستكن في [ " يقول " تقديره: ومن الناس من يقول حال كونهم مخادعين. وأجاز أبو البقاء أن يكون حالاً من الضمير المستكن] في " بمؤمنين " ، والعامل فيها اسم الفاعل. وقد ردّ عليه بعضهم بما معناه: أن هذه الآية الكريمة نظير: " ما زيد أقبل ضاحكاً " ، قال: وللعرب في مثل هذا التركيب طريقان: أحدهما: نفي القيد وحده، وإثبات أصل الفعل، وهذا هو الأكثر، والمعنى: أن الإقبال ثابت، والضحك منتفٍ، وهذا المعنى لا يتصوّر إرادته في الآية، أعني: نفي الخِدَاع، وثبوت الإيمان. الطريق الثاني: أن ينتفي القَيْدُ، فينتفي العامل فيه، فكأنه قيل في المثال السابق: لم يقبل، ولم يضحك، وهذا المعنى - أيضاً - غير مراد بالآية الكريمة قطعاً، أعني: نفي الإيمان والخداع معاً، بل المعنى على نَفْي الإيمان، وثبوت الخداع، ففسد جعلها حالاً من الضمير في " بمؤمنين ". والعجب من أبي البَقَاءِ كيف استشعر هذا الإشكال، فمنع من جعل هذه الجملة في محل جر صفة لـ " مؤمنين "؟ قال: لأن ذلك يوجب نفي خِدَاعهم، والمعنى على إثبات الخداع، ثم جعلها حالاً من ضمير " بمؤمنين " ، ولا فرق بين الحال والصفة في هذا. و " الخداع " أصله: الإخفاءُ، ومنه الأَخْدَعَان: عِرْقان مُسْتَبْطنان في العُنُقِ، ومنه مخدع البيت، وخَدَع الضَّبُّ خِدْعاً: إذا توارى في جُحْرِه، وطريق خادع وخديع: إذا كان مخالفاً للمقصد، بحيث لا يفطن له؛ فمعنى يخادع: أي يوهم صاحبه خلاف ما يريد به المَكْروه. وقيل: هو الفساد أي يفسدون ما أَظْهَرُوا من الإيمان بما أَضمروا من الكُفْرِ قال الشاعر: [الرمل]