الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ }

" قُلُوبُنَا غُلْفٌ " متبدأ وخبر، والجملة في محلّ نصب بالقول قبله، وقرأ الجمهور: " غُلْف " بسكون اللام، وفيها وجهان:

أحدهما: وهو الأظهر أن يكون جمع " أَغْلَف " كـ " أحمَر وحُمْر " و " أصفر وصُفْر " ، والمعنى على هذا: أنها خلقت وجعلت مغشَّاة لا يصل إليها الحَقّ، فلا تفهمه ونظيره:وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِيۤ أَكِنَّةٍ } [فصلت:5] قال مجاهد وقتادة استعارة من الأَغْلَف الذي لم يَخْتَتِنْ.

والثاني: أن يكون جمع " غلاف " ، ويكون أصل اللام الضم، فتخفف نحو: " حمار وحمر " ، و " كتاب وكتب " ، إلاّ أن تخفيف " فُعُل " إنما يكون في المفرد غالباً نحو: " عُنُق " في " عُنْق " وأما " فُعُل " الجمع فقال ابن عطية: " لا يجوز تخفيفه إلاَّ في ضرورة " ، وليس كذلك، بل هو قليل، وقرأ ابن عَبَّاس والأعرج ـ ويروى عن أبي عمرو ـ بضمّ اللام، وهو جمع " غلاف " ، ولا يجوز أن يكون " فُعُل " في هذه القراءة جمع أَغْلَف؛ لأن تثقيل " فعل " الصحيح العين، لا يجوز إلاَّ في شعر، والمعنى على هذه القراءة: أن قلوبنا أوعية فهي غير محتاجة إلى علم آخر، وهو قول ابن عباس وعَطَاء.

وقال الكلبي: " معناه أوعية لكلّ علم فهي لا تسمع حديثاً إلا وَعَتْهُ إلاَّ حديثك لا تعقله ولا تعيه، ولو كان فيه خبر لفهمته ووعته ".

وقيل: غلف كالغلاف الذي لا شيء فيه مما يدلّ على صحة قولك: التغليف كالتعمية في المعنى.

فصل في كلام المعتزلة

قالت المعتزلة: هذه الآية تدلّ على أنه ليس في قلوب الكُفَّار مَا لاَ يمكنهم معه الإيمان، لا غلاَف ولا كِنّ ولا سدّ على ما يقوله المجبرة، لأنه لو كان كذلك لكان هؤلاء اليهود صَادقين في هذا القول، فلا يكذبهم الله في قوله: { بَل لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ } وإنما يذمّ الكاذب المبطل لا الصَّادق المحق، وقالوا: هذا يدل على أن معنى قوله تعالى:إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ } [الكهف:57] وإِنَّا جَعَلْنَا فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً } [يس:8]وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً } [يس:9] ليس المراد كونهم ممنوعين عن الإيمان، بل المراد: إما منع الألْطَاف، أو تشبيه حالهم في إصْرَارهم على الكُفْرِ بمنزلة المجبور على الكفر.

قالوا: ونظير ذم الله ـ تعالى اليهود على هذه المَقَالَةِ ذمه الكافرين على مثل هذه المَقَالة، وهو قوله تعالى:وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِيۤ أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَآ إِلَيْهِ وَفِي ءَاذانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ } [فصلت:5] ولو كان الأمر على ما يقوله المجبرة لكان هؤلاء القوم صادقين، وإذا كان الأمر كذلك لم يذمّوا.

السابقالتالي
2 3