الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ ٱللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ ٱللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }

فقوله: { إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً } استثناء مفرّغ، و " أيَّاماً " منصوب على الظرف بالفعل قبله، والتقدير: لن تمّسنا النار أبداً إلاّ أياماً قلائل يَحْصُرُها العَدُّ؛ لأن العد يحصر القليل، وأصل: " أيّام ": أَيْوَام؛ لأنه جمع يوم، نحو: " قوم وأقوام " ، فاجتمع الياء والواو، وسبقت إحداهما بالسكون، فوجب قلب الواو ياء، وإدغام الياء في الياء مثل: " هَيّن وميّت ".

فصل

ذكروا في الأيام المعدودة وجهين:

الأول: أن لفظه الأيام [لا تضاف إلا إلى العشرة فما دونها، ولا تضاف إلى ما فوقها، فيقال: أيام خمسة، وأيام عشرة، ولا يقال: أيام أحد عشر. إلاَّ أن هذا] يشكل بقوله تعالى:كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ } [البقرة:183] إلى أن قال:أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍِ } [البقرة:184] وهي أيام الشهر كله، وهي أزيد من العشرة.

قال القاضي: إذا ثبت أن الأيام محمولة على العَشْرة فما دونها، فالأشبه أن يقال: إنه الأقل أو الأكثر؛ لأن من يقول ثلاثة يقول: أحمله على أقل الحقيقة فله وجه، ومن يقول: عشرة يقول: أحمله على الأكثر وله وجه.

فأما حمله على أقل من العشرة وأزيد من الثلاثة فلا وجه له؛ لأنه ليس عَدَدٌ أولى من عَدَدٍ، اللهم إلا إنْ جاءت في تقديرها رواية صحيحة، فحينئذ يجب القول بها.

روي عن ابن عباس ومجاهد: أن اليهود كانت تقول: " الدنيا سبعة آلاف سنة، فالله يعذب على كلّ ألف سنة يوماً واحداً ".

وحكى الأصم عن بعض اليهود: أنهم عبدوا العِجْل سبعة أيام.

وروي عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ: أنه قدر هذه الأيام بالأربعين، وهو عدد الأيام التي عبد آباؤهم العجل فيها، وهي مدّة غيبة موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ عنهم.

وقال الحسن وأبو العالية: قالت اليهود: إن ربنا عتب علينا في أمرنا، فأقسم ليعذّبنا أربعين يوماً، فلن تمسّنا النار إلاّ أربعين يوماً تحلّة القسم، فكذبهم الله ـ تعالى ـ بقوله تعالى: { قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ ٱللَّهِ عَهْداً }.

وقالت طائفة: إن اليهود قالت في التوراة: إنَّ جهنم مسيرة أربعين سنة، وأنهم يقطعون في كلّ يوم سنة حتى يكملوها، وتذهب جهنّم. رواه الضَّحاك عن ابن عباس.

وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ زعم اليهود أنه وجدوا في التوراة مكتوباً أن ما بين طرفي جهنّم أربعين سنة إلى أن ينتهوا إلى شجرة الزَّقوم، فتذهب جهنم وتهلك.

فإن قيل: { وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً } وقال في مكان آخر:أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ } [آل عمران:24] والمصروف في المكانين واحد وهو " أيام ".

فالجواب: أن الاسم إن كان مذكراً، فالأصل في صفة جمعه التاء، يقال: كُوز وكِيزان مكسورة، وثياب مَقْطوعة، وإن كان مؤنثاً كان الأصل في صفة جمعه الألف والتاء يقال: جرّة وجِرَار مكسورات، وخَابِية وخَوَابي مكسورات، إلا أنه قد يوجد الجمع بالألف والتاء فيما واحده مذكّر في بعض الصور، وعلى هذا ورد قوله:

السابقالتالي
2 3