الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ }

" من الناس " خبر مقدم، و " من يقول " مبتدأ مؤخر، و " مَنْ " تحتمل أن تكون موصولة، أو نكرة موصوفة أي: الذي يقول، أو فريق يقول، فالجملة على الأول لا محل لها؛ لكونها صلة، وعلى الثاني محلها الرفع؛ لكونها صفة للمبتدأ.

واستضعف أبو البقاء أن تَكُونَ موصولة، قال: لأن " الذي " يتناول قوماً بأعيانهم، والمعنى هنا على الإبهام.

وهذا منه غير مسلم؛ لأنّ المنقول أنّ الآية نزلت في قومٍ بأعيانهم كعبد الله بن أبي ورهطه.

وقال الزمخشري: إن كانت أل للجنس كانت " منْ " نكرة موصوفة كقوله:مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ ٱللَّهَ } [الأحزاب: 23].

وإن كانت للعَهْد كانت موصولة، وكأن قصد مناسبة الجنس للجنس، والعهد للعهد، إلا أن هذا الذي قاله غير لازم، بل يجوز أن تكون " أل " للجنس، وتكون " منْ " موصولة، وللعهد، و " منْ " نكرة موصوفة.

وزعم الكِسَائِيّ أنها لا تكون نكرة إلاّ في موضع تختص به النكرة؛ كقوله: [الرمل]
168- رُبَّ مَنْ أَنْضَجْتُ غَيْظاً صَدْرَهُ   لَوْ تَمَنَّى لِيَ مَوْتاً لَمْ يُطَعْ
وهذا الذي قاله هو الأكثر، إلا أنها قد جاءت في موضع لا تختصّ به النكرة؛ قال: [الكامل]
169- فَكَفَى بِنَا فَضْلاً عَلَى مَنْ غَيْرُنَا   ..........................
و " من " تكون موصولة، ونكرة موصوفة كما تقدّم، وشرطية واستفهامية.

وهل تقع نكرة غير موصوفة، أو زائدة؟ فيه خلاف. واستدل الكسَائي على زيادتها بقول عنترة: [الكامل]
170- يَا شَاةَ منْ قَنَصٍ لِمَنْ حَلَّتْ لَهُ   حَرُمَتْ عَلَيَّ وَلَيْتَهَا لَمْ تَحْرُمِ
ولا دليل فيه، لجواز أن تكون موصوفة بـ " قَنَصٍ " إما على المبالغة، أو على حذف مضاف، وتصلح للتثنية والجمع والواحد.

فالواحد كقوله:وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ } [الأنعام: 25] والجمع كقوله:وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ } [يونس: 42]، والسبب فيه أنه موحّد اللفظ مجموع المعنى. و " مِنْ " في " من الناس " للتبعيض، وقد زعم قومٌ أنها لِلْبَيَانِ وهو غَلَطٌ؛ لعدم تقدم ما يتبين بها. و " النَّاس " اسم جمع لا واحد له من لَفْظِهِ، ويرادفه " أَنَاسِيّ " جمع إنسان أو إنسي، وهو حقيقة في الآدميين، ويطلق على الجِنّ مجازاً.

واختلف النحويون في اشتقاقه: فمذهب سيبويه والفراء أن أصله همزة ونون وسين، والأصل: أناس اشتقاقاً من الأُنس، قال: [الطويل]
171- وَمَا سُمِّيَ الإِنْسَانُ إِلاَّ لأُنْسِهِ   وَلاَ الْقَلْبُ إِلاَّ أَنَّهُ يَتَقَلَّبُ
لأنه أنس بـ " حواء ".

وقيل: بل أنس بربه ثم حذفت الهمزة تخفيفاً؛ يدلّ على ذلك قوله: [الكامل]
172- إِنَّ الْمَنَايَا يَطَّلِعْـ   ـنَ عَلَى الأُنَاسِ الآمِنِينَا
وقال آخر: [الطويل]
173- وَكُلُّ أُنَاسٍ قَارَبُوا قَيْدَ فَحْلِهِمْ   وَنَحْنُ خَلَعْنَا قَيْدَهُ فَهُوَ سَارِبُ
وقال آخر: [الطويل]

السابقالتالي
2 3 4 5 6