الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ } * { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـٰذَا مِنْ عِنْدِ ٱللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ }

واعلم أنه ـ تعالى ـ لما وصف اليهود بالعِنَادِ، وأزال الطمع عن إيمانهم بين فرقهم، فالفرقة الأولى هي الضَّالة المضلّة، وهم الذين يحرّفون الكلم عن مواضعه.

والفرقة الثانية: المنافقون.

والفرقة الثالثة: الذين يُجَادلون المنافقين.

والفرقة الرابعة: هم المذكورون هنا، وهم العامة الأمّيون الذين لا يعرفون القراءة، ولا الكتابة، وطريقتهم التقليد وقَبُول ما يقال لهم، فبين الله ـ تعالى ـ أن المُمْتَنِعِينَ عن الإيمان ليس سبب ذلك واحداً، بل لكل قسم سبب.

وقال بعضهم: هم بعض اليهود والمنافقين.

وقال عكرمة والضَّحاك: " هم نصارى العرب ".

وقيل: " هم قوم من أهل الكتاب رفع كتابهم لذنوب ارتكبوها، فصاروا آمنين ". وعن علي ـ رضي الله عنه ـ هم المجوس.

قوله: " مِنْهُمْ " خبر مقدم، فتعلّق بمحذوف. و " أمّيون " مبتدأ مؤخر، ويجوز على رأي الأخفش أن يكون فاعلاً بالظرف قبله، وإن لم يعتمد.

وقد بنيت على ماذا يعتمد فيما تقدم.

و " أُمِّيُّونَ " جمع " أمّي " وهو من لا يَكْتب ولا يَقْرأ.

واختلف في نسبته فقيل: إلى " الأمّ " وفيه معنيان:

أحدهما: أنه بحال أُمّه التي ولدته من عدم معرفة الكتابة، وليس مثل أبيه؛ لأن النساء ليس من شُغْلهن الكتابة.

والثاني: أنه بحاله التي ولدته أمه عليها لم يتغير عنها، ولم ينتقل.

وقيل: نسب إلى " الأُمَّة " وهي القَامَة والخِلْقَة، بمعنى أنه ليس له من النَّاس إلا ذلك.

وقيل: نسب إلى " الأُمَّة " على سَذَاجتها قبل أن يَعْرِف الأشياء، كقولهم: عامي أي: على عادة العامة.

وعن ابن عَبَّاس: " قيل لهم: أميون؛ لأنهم لم يصدقوا بأم الكتاب ".

وقال أبو عبيدة: " قيل لهم: أُميون، لإنْزَال الكتاب عليهم، كأنهم نسبوا لأم الكتاب ".

وقرأ ابن أبي عَبْلة: " أُمِّيُون " بتخفيف الياء كأنه استثقل توالي تضعيفين.

وقيل: الأمي: من لا يُقِرّ بكتاب ولا رسول.

قوله: " لاَ يَعْلَمُونَ " جملة فعلية في محلّ رفع صفة بـ " أميون " ، كأنه قيل: أميون غير عالمين.

قوله: " إِلاَّ أَمَانِيَّ " هذا استثناء منقطع؛ لأن " الأماني " ليست من جنس " الكتاب " ، ولا مندرجة تحت مدلوله، وهذا هو المُنْقطع، ولكن شرطه أن يتوهّم دخوله بوجه ما، كقوله:مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّ } [النساء:157] وقوله النَّابغة: [الطويل]
601ـ حَلَفْتُ يَمِيناً غَيْرَ ذِي مَثْنَوِيَّةٍ     وَلاَ عِلْمَ إِلاَّ حُسْنَ ظَنٍّ بِصَاحِبِ
لأن بذكر العلم اسْتُحضِر الظن، ولهذا لا يجوز: صَهَلَتِ الخيل إلاَّ حماراً.

واعلم أن المنقطع على ضربين: ضرب يصحّ توجه العامل عليه، نحو: جاء القوم إلاّ حماراً.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7