الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ فَهِيَ كَٱلْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ ٱلْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ ٱلأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ ٱلْمَآءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }

قال القفال: يجوز أن يكون هذا الخطاب لأهل الكتاب الذين كانوا في زمان محمد عليه الصلاة والسلام، أي: اشتدت قلوبكم وقَسَت وضلّت من بعد البَيّنات التي جاءت أوائلكم، والعقاب الذي نزل بمن أَصَرَّ على المعصية منهم، والآيات التي جاءهم بها أنبياءهم، فأخبر بذلك عن طُغْيَانهم، وجَفَائهم على ما عندهم من العلم بآيات الله التي تلين عندها القلوب.

قال: لأنه خطاب مُشَافهة فَحَمْله على الحاضرين أولى، ويحتمل أن يكون المراد أولئك اليهود الذين كانوا في زمان موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ خصوصاً. وروي أن ذلك القتيل لما عين القاتل كذبه، وما ترك الإنكار وساعده عليه جمع، فتكون الإشارة لقوله بعد ذلك إلى ما أظهره الله ـ تعالى ـ من إحياء القتيل بِضَرْبِهِ ببعض البقرة المذبوحة. ويحتمل أن تكون الإشارة إلى جميع ما عدده الله ـ تعالى ـ من النعم العظيمة، والآيات الباهرة التي أظهرها الله ـ تعالى ـ على يد موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ فإنّ أولئك اليهود بعد أن كثرت مشاهدتها لها ما خلوا من العِنَاد والاعتراض على موسى عليه الصَّلاة والسَّلام.

فإن قيل: لم أتى بـ " ثم " التي تقتضى الترتيب والمُهْلة، فقال: " ثم قست " ، وقال: " مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ " والبَعْدية لا تقتضي التعقيب، وقلوبهم لم تزل قاسيةً مع رؤية الآية وبعدها؟

فالجواب: أنه أتى بـ " من " التي لابتداء الغاية فقال: من بعد ذلك فجعل ابتداء المقصود عقيب رؤية الآيات، فنزلت المهلة.

وقال أبو عبيدة: " معنى قَسَتْ: جفت ".

وقال الواقدي: خفت من الشّدة فلم تكن.

وقال المؤرج: " غلظت ".

وقيل: اسودت.

وقال الزجاج: " القَسْوة ذهاب اللّين والرحمة والخشوع والخضوع ".

قوله: " أَوْ أشَدُّ قَسْوَةً " " أو " هذه كـ " أو " التي في قوله:أَوْ كَصَيِّبٍ } [البقرة:19] فكل ما قبل ثمة يمكن القول به هنا، ولما قال أبو الأسود: [الوافر]
593ـ أُحِبُّ مُحَمَّداً حُبًّا شَديداً   وَعَبَّاساً وَحَمْزَةَ أَوْ عَلِيًّا
اعترضوا عليه في قوله: " أو " التي تقتضي الشك، وقالوا له: أشككت؟ فقال: كلا، واستدل بقوله تعالى:وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ } [سبأ:24] فقال: أو كان شاكًّا من أخبر بهذا؟ وإنما قصد ـ رحمه الله ـ الإبهام على المخاطب.

قال ابن الخطيب: كلمة " أو " للتردد، وهي لا تليق بعلاَّم الغيوب، فلا بد من التأويل وهو من وجوه: أحدهما: أنها بمعنى " الواو " كقوله:إِلَىٰ مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ } [الصافات:147] وقوله:وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ ءَابَآئِهِنَّ } [النور:31] وقوله:أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ ءَابَآئِكُمْ }

السابقالتالي
2 3 4 5 6