الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قُلْتُمْ يَٰمُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ ٱلأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ ٱلَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِٱلَّذِي هُوَ خَيْرٌ ٱهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلْمَسْكَنَةُ وَبَآءُو بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّينَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ ذٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ }

" لن نَصْبِرَ " ناصب منصوب، والجملة في محلّ نصب بالقول، وتقدم الكلام على " لن ".

قوله: { طَعَامٍ وَاحِدٍ } ، وإنما كان طعامين هما: المَنّ والسَّلْوَى؛ لأن المراد بالواحد ما لا يختلف ولا يتبدّل، فأريد بالوحدة نفي التبديل لا الاختلاف، أو لأنهما ضرب واحد؛ لأنهما من طعام أهل التلذُّذ والترف، ونحن أهل زِرَاعات لا نريد إلا ما ألفناه من الأشياء المتفاوتة، أو لأنهم كانوا يأكلون أحدهما بالآخر، أو لأنهما كانا يؤكلان في وقت واحد.

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: كانوا يعجنون المَنّ والسّلوى، فيصير طعاماً واحداً.

وقيل: لأن العرب تعبّر عن الاثنين بلفظ الواحد، وبلفظ الواحد عن الواحد، كقوله تعالى:يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ } [الرحمن:22]، وإنما يخرجان من المِلْحِ دون العَذْب.

قال ابن الخطيب: ليس المراد أنه واحد في النوع، بل إنه واحد في المَنْهَجِ، كما يقال: إن طعام فلان على مائدته طعام واحد إذا كان لا يتغيّر عن نهجه.

وقيل: كنوا بذلك عن الغنى، فكأنهم قالوا: لن نرضى أن نكون كلنا مشتركين في شيء واحد فلا يخدم بعضنا بعضاً، وكذلك كانوا أول من اتخذ الخدم والعبيد. و " الطعام ": اسم لكل ما يطعم من مأكول ومشروب، ومنه:وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ } [البقرة:249]، وقد يختص ببعض المأكولات كاختصاصه بالبُرّ والتَّمْرِ في حديث الصَّدقة، أو صاعاً من طعام أو صاعاً من شعير. والطَّعم ـ بفتح الطاء ـ المصدر أو ما يشتهى من الطعام ـ أو ما يؤديه الذوق، تقول: طَعْمُهُ حُلْو وطَعْمُهُ مُرّ، وبضمها الشيء المطعوم كالأُكْلِ والأَكْل؛ قال أبو خِرَاشٍ: [الطويل]
527ـ أَرُدُّ شُجَاعَ البَطْنِ لَوْ تَعْلَمِينَهُ     وأُوثِرُ غَيْرِي مِنْ عِيَالِكِ بالطُّعْمِ
وأَغْتَبِقُ المَاءَ القَرَاحَ فَأَنْتَهِي     إذَا الزَّادُ أَمْسَى للْمُزَلَّجِ ذَا طَعْمِ
أراد بالأول المطعوم، وبالثاني ما يُشْتَهَى منه، وقد يعبَّر به عن الإعطاء؛ قال عليه السلام: " إِذا اسْتَطْعَمَكُمُ الإمام فَأَطْعِمُوُه " أي: إذا استفتح، فافتحوا عليه، وفلان ما يَطْعَمُ النومَ إلاَّ قائماً؛ قال: [المتقارب]
528ـ نَعَاماً بِوَجْرَةَ صُفْرَ الْخُدُو    دِمَا تَطْعَمُ النَّوْمَ إِلاَّ صيَامَا
قوله: " فادع " اللّغة الفصيحة " ادْعُ ".

بضم العين من " دَعَا يدعو ".

ولغة بني عامر " فَادْعِ " بكسر العين قال أبو البقاء: " لالتقاء السَّاكنَيْنِ؛ يُجْرُونَ المعتلَّ مُجْرَى الصَّحيح، ولا يراعون المحذُوفَ " يعني أن العَيْنَ ساكنةٌ، لأجل الأمر، والدَّالُ قبلها ساكنةٌ، فكسرت العين، وفيه نظرٌ، لأن القاعدة في هذا ونحوه أن يُكْسَر الأوَّل من الساكنين، لا الثاني، فيجوزُ أنْ يكُون من لُغتِهِمْ " دَعَا يَدْعِي " مثل " رَمَى يَرْمِي " ، والدُّعَاء هنا السُّؤال، ويكون هنا بمعنَى التَّسْمية؛ كقوله: [الطويل]

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد