الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذِ ٱسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ فَٱنفَجَرَتْ مِنْهُ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ ٱللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ }

كسرت الذّال من " إذ " لالتقاء الساكنين، والسين للطلب على وجه الدعاء أي: سأل لهم السُّقْيَا، وألف " اسْتَسْقَى " منقلبة عن ياء؛ لأنه من " السَّقْي " ، وتقدَّم معنى " اسْتَفْعَلَ " ، ويقال: " سَقَيْتُه " و " أَسْقَيْتُهُ " ، بِمَعْنًى؛ وأنشد: [الوافر]
521ـ سَقَى قَوْمِي بَنِي مَجْدٍ وَأَسْقَى    نُمَيْراً وَالقَبَائِلَ مِنْ هِلاَلِ
وقيل: " سقيته ": أعطيته ما يشرب، " وأسقيته ": جعلت ذلك له يتناوله كيف شاء. و " الإسْقاء " أبلغ من " السَّقْي " على هذا.

وقيل: أسقيته: دَلَلْتُه على الماء، وسيأتي عند قوله:نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ } [النحل:66] وسقى وأسقى متعدّيان لمفعولين، قال تعالى:وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } [الإنسان:21] وقال:وَأَسْقَيْنَاكُم مَّآءً فُرَاتاً } [المرسلات:27].

و " لِقَوْمِهِ " متعلّق بالفعل، واللام للعلّة، أي: لأجل، أو تكون للبيان لما كان المراد به الدعاء كالتي في قولهم: " سُقْياً لَكَ " فتتعلّق بمحذوف كنظيرتها.

قوله: { ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ } الإدغام ـ هنا ـ واجبٌ؛ لأنه متى اجتمع مثلان في كلمتين؛ أو كلمة أوّلهما ساكن وجب الإدغام نحو: اضرب بكراً، وألف " عصاك " منقلبة عن واو؛ لقولهم في النّسب: عَصَوِيٌّ، وفي التثنية عَصَوَان؛ قال: [الطويل]
522ـ...................     عَلَى عَصَوَيْهَا سَابِريٌّ مُشَبْرَقُ
والجمع: " عُصِيّ " " وَعِصِيّ " بضم العين وكسرها إتباعاً، و " أَعْصٍ " مثل: " زَمَنٍ " " وأَزْمُن " ، والأصل: " عُصُوُو " و " أَعْصُو " ، فأعلّ. وعَصَوْتُه بالعَصَا، وعَصَيْتُه بالسيف. و " ألقى عَصَاه " يعبر به عن بلوغ المنزل، قال: [الطويل]
523ـ فَأَلْقَتْ عَصَاهَا وَاسْتَقَرَّ بِهَا النَّوَى     كَمَا قَرَّ عَيْناً بِالإيَابِ المُسَافِرُ
وانشقت العَصَا بين القوم، أي: وقع الخلاف؛ قال: [الطويل]
524ـ إذَا كَانَتِ الهَيْجَاءُ وَانْشَقَّتِ العَصَا    فَحَسْبُكَ وَالضَّحَّاكُ سَيْفٌ مُهَنَّدُ
قال الفَرَّاء: " أوّل لحن سمع بـ " العراق " هذه عَصَاتي " ، يعني: بالتاء.

وفي [المثل]: " العَصَا من العُصَيَّة " أي: بَعْضُ الأمر من بَعْضٍ.

و " الحَجَر " مفعول. و " أل " فيه للعَهْدِ.

وقيل: للجنس، وهو معروف، وقياس جمعه في أدنى العدد " أَحْجَار " وفي التكثير: " حِجَارٌ وحِجَارَةٌ ". و " الحِجَارة " نادر، وهو كقولنا: " جَمَل وجِمَالة " ، و " ذَكَر وذِكَارة " قاله ابن فارس والجَوْهري.

وكيف يكون نادراً وفي القرآن:فَهِيَ كَٱلْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ ٱلْحِجَارَةِ } [البقرة:27]،قُلْ كُونُواْ حِجَارَةً } [الإسراء:50]،تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ } [الفيل:4]،وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً } [هود:82].

قوله: { فَٱنفَجَرَتْ } " الفاء " عاطفة على محذوف لا بُدّ من تقديره: فضرب فانفجرت. قال ابن عصفور: إن هذه " الفاء " الموجودة هي الداخلة على ذلك الفعل المحذوف، والفاء الداخلة على " انْفَجَرَتْ " محذوفة، وكأنه يقول: حذف الفعل الأول لدلالة الثاني عليه، وحذفت " الفاء " الثانية لدلالة الأولى عليها.

السابقالتالي
2 3 4 5