الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقْنَٱكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }

هذا هو الإنعام السابع المذكور في سورة " الأعراف " ، وظاهر هذه الآية يدلّ على أن هذا الإضلال كان بعد البعث، لأنه ـ تعالى ـ قال:ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [البقرة:56]، { وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْغَمَامَ } أي: وجعلنا الغَمَام يظلكم، وذلك في التِّيْهِ سخر الله ـ تعالى ـ لهم السحاب يظلّهم من الشمس، ونزل عليهم المَنّ وهو " التَّرنْجِبِين " بالتاء والراء ـ من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس لكل إنسان صاع.

وقال " مجاهد ": هو شيء كالصمغ كان يقع على الأشجار طَعْمُهُ كالشّهد.

وقال " وهب ": خبز الرقاق. وقال " السدي ": عَسَل كان يقع على الشجر من الليل.

وقال " الزجاج ": " المَنّ: ما يمنّ الله ـ عز وجل ـ به مما لا تَعَبَ فيه ولا نصب ".

روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الكَمَأةُ من المَنّ وماؤها شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ ".

" والسَّلْوَى " قال " ابن عباس " وأكثر المفسرين: هو طَائِرٌ يشبه السّماني.

وقال أبو العالية ومقاتل: هو السّماني.

وقال " عكرمة ": طير " الهِنْدِ " أكبر من العصفور.

وقيل: السَّلوى: العسل نقله المؤرّج، وأنشد قول الهذليِّ: [الطويل]
507ـ وَقَاسَمَها بِاللَّهِ جَهْداً لأَنْتُمُ     أَلَذُّ مِنَ السَّلْوَى إذَا مَا نَشُورُهَا
وغله " ابن عطية " وادّعى الإجماع على أن السَّلْوَى: طائر، وهذا غير مُرْضٍ، فإن " المؤرج " من أئمة اللغة والتفسير، واستدلّ ببيت الهذلي، وذكر أنه بلغة " كنانة ". وقال " الراغب ": " السَّلْوَى مصدر، أي: لهم بذلك التَّسلِّي ".

قوله: { وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْغَمَامَ } تقديره: وجعلنا الغمام يُظَلِّلُكُمْ.

قال: " أبو البقاء ": ولا يكون كقولك: " ظَلَّلْتُ زيداً يُظَلُّ "؛ لأن ذلك يقتضي أن يكون الغمام مستوراً بظل آخر.

وقيل التقدير: بالغمام، وهذا تفسير معنى لا إعراب، لأن حذف الجر لا يَنْقَاس.

فصل في اشتقاق الغمام

الغمام: السَّحَاب، لأنه يغم وَجْه السماء، أي: يَسْتُرُهَا، وكل مستور مغموم أي مغطى.

وقيل: الغمام: السَّحاب الأبيض خاصّة، ومثله: الغَيْمُ والغَيْن ـ بالميم والنون ـ وفي الحديث: " إنه لَيُغَانُ عَلىَ قَلْبِي ".

وواحدته " غَمَامَةٌ " فهو اسم جنس. و " المَنّ " تقدم تفسيره، ولا واحد له من لفظه.

والمَنّ ـ أيضاً ـ مقدار يوزن به، وهذا يجوز إبدال نونه الأخيرة حرف علّة، فيقال: مَناً مثل: عَصاً، وتثنيته: مَنَوَان، وجمعه: أمْنَاء. والسَّلْوَى تقدمت أيضاً، واحدتها: سَلْوَاةٌ؛ وأنشدوا: [الطويل]
508ـ وَإِنِّي لَتَعْرُونِي لِذِكْرَاكِ سَلْوَةٌ    كَمَا انْتَفَضَ السَّلْوَاةُ مِنْ بَلَلِ القَطرِ
فيكون من باب " قَمْح وقَمْحَة ".

السابقالتالي
2 3