" الكِتَاب " و " الفُرْقان " مفعول ثان لـ " آتَيْنَا ". وهل المراد بالكتاب والفرقان شيء واحد، وهو التوراة؟ كأنه قيل: الجامع بين كونه كتاباً مُنَزَّلاً، وفرقاناً يفرِّق بَيْن الْحَقِّ والْبَاطل، نحو: رَأَيْتُ الغَيْثَ واللَّيْثَ، وهو مِنْ باب قوله: [المتقارب]
491ـ إِلَى الْمَلِكِ الْقَرْمِ وَابْنِ الهُمَامِ
........................
أو لأنهم لمَّا اختلف اللفظ، جاز ذلك؛ كقوله: [الوافر]
قال النحاس: " هذا إنما يجوز في الشِّعر، فالأحسن أن يراد بالفُرْقَانِ ما علَّمه الله موسَى من الفَرْقِ بين الحقِّ والباطل ". وقيل: " الواو زائدة " ، و " الفرقان " نعت للكتاب أو " الكتابُ " التوراةُ، و " الفرقان " ما فرِّق به بين الكُفْرِ والإيمان، كالآيات من نحو: العَصَا واليَدِ أو ما فرّق به بين الحلال والحرام من الشرائع. و " الفُرْقَان " في الأَصل مصدر مثل الغُفْرَان. وقد تقدّم معناه في{ فَرَقْنَا بِكُمُ ٱلْبَحْرَ } [البقرة:50]. وقيل: " الفُرقَانُ " هنا اسم للقرآن، قالوا: والتقدير: ولقد آتينا موسى الكتاب، ومحمّداً الفرقان. قال النحاس: هذا خطأ في الإعراب والمعنى، أمّا الإعراب فلأن المعطوف على الشيء مثله، وهذا يخالفه، وأمّا المعنى فلقوله:{ وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَٰرُونَ ٱلْفُرْقَانَ } [الأنبياء:48]. وقال قُطْرب وزيد: " الفُرْقَانُ انْفِرَاقُ البَحْرِ له ". فإن قلت: هذا مذكور في قوله:{ وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ ٱلْبَحْرَ } [البقرة:50] وأيضاً قوله بعد ذلك: " لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ " لا يليق إلاّ بالكتاب؛ لأن ذلك لا يذكر إلا عقيب الهدى، فالجواب عن الأولى أنه تعالى لم يبين في قوله: { وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ ٱلْبَحْرَ } أن ذلك كان لأجل موسى ـ عليه السلام، وفي هذه الآية بَيّن ذلك بالتنصيص. وعن الثاني: أن فَرْقَ البحر كان من الدَّلائل فلعلّ المُرَاد: آتينا موسى الكتاب ليستدلُّوا بذلك على وجود الصانع، وصدق موسى عليه السَّلام، وذلك هو الهِدَايَةُ، وأيضاً فالهدى قد يُرَادُ به الفَوْزُ والنَّجَاة ولم يُرَدْ به الدلالة، فكأنه ـ تعالى ـ بيّن أنه أتاهم الكتاب نعمةً من الدين والفرقان الذي جعل به نجاتهم من الخَصْمِ نعمةً عاجلةً. وقيل: الفرقان: الفَرَجُ من الكَرْب؛ لأنهم كانوا مستعبدين مع القبط،{ إِن تَتَّقُواْ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً } [الأنفال:29] أي: فَرَجاً ومَخْرَجاً وقيل: الحجّة والبَيَان، قاله ابن بحر. وقيل: الفُرْقَان الفَرْقُ بينهم وبين قوم فرعون، أنجى هؤلاء، وغرق أولئك، ونظيره يوم الفُرْقَان، فقيل يعني به يوم بدر. فصل في الرد على المعتزلة استدلت المعتزلة بقوله: " لعلكْم تهتدون " على أن الله أراد الاهتداء من الكُلّ، وذلك يبطل قول من يقول: أراد الكُفْرَ من الكافر. وأيضاً إذا كان هداهم أنه ـ تعالى ـ لم يخلق الاهتداء ممن يهتدي، والضلال ممن يضل، فما الفائدة في إنزال الكتاب والفرقان، ولقوله: " لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ " ومعلوم أن الاهتداء إذا كان يخلقه، فلا تأثير لإنزال الكتب فيه لو كان الاهتداء [ولا كتاب لحصل] الاهتداء ولو أنزل الكتاب، ولم يخلق الاهتداء فيهم لما حصل الاهتداء، فيكف يجوز أن يقول: أنزلت [الكتاب] لكي تهتدوا؟ وقد تقدّم مثل [هذا] الكلام.