الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ ٱلْبَحْرَ فَأَنجَيْنَٰكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ }

" إذْ " في موضع نصب، و " الفَرْق " [والفَلْق] واحد، وهو الفصل والتمييز، ومنه:وَقُرْءَاناً فَرَقْنَاهُ } [الإسراء:106] أي: فَصّلناه ومَيَّزْنَاه بالقرآن والبيان.

والقرآن فُرْقان لتمييزه بين الحق والباطل.

وقرأ الزُّهْرِي: " فَرَّقْنَا " بتشديد الراء. أي: جعلناه فرقاً.

قوله: " بكم " الظاهر أن الباء على بابها من كونها داخلة على الآلة، فكأنه فرق بهم كما يفرق بين الشَّيئين بما توسط بينهما.

وقال أبو البقاء: ويجوز أن تكون المعدية كقولك: " ذهبت بزيد " ، فيكون التقدير: أفرقناكم البَحْر، ويكون بمعنى:وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ ٱلْبَحْرَ } [الأعراف:138]. وهذا أقرب من الأول.

ويجوز أن تكن الباء للسببية أي: بسببكم، ويجوز أن تكون للحال من " البحر " أي: فرقناه ملتبساً بكم، ونظره الزمخشري بقوله: [الوافر]
481ـ.................     تَدُوسُ بِنَا [الجَمَاجِمَ] والتَّرِيبَا
أي: تَدُوسُهَا ونحن راكبوها.

قال أبو البقاء: أي: فرقنا البحر وأنتم به، فيكون إما حالاً مقدرة أو مقارنة، ولا حاجة إلى ذلك؛ لأنه لم يكن مفروقاً إلا بهم حال كونهم سالكين فيه.

وقال أيضاً: و " بكم " في موضع نصب مفعول ثانٍ لـ " فَرَقْنَا " و " البحر " مفعول أول، والباء هنا في معنى اللام.

وفيه نظر؛ لأنه على تقدير تسليم كون الباء بمعنى اللام، فتكون لام العلّة، والمجرور بلام العلة لا يقال: إنه مفعول ثانٍ، لو قلت: ضربت زيداً لأجلك، لا يقول النحوي: " ضرب " يتعدّى لاثنين إلى أحدهما بنفسه، وللآخر بحرف الجر.

و " البَحْر " أصله: الشِّق الواسع، ومنه " البَحِيْرة " لِشَقِّ أذنها، وفيه الخلاف المتقدّم في " النهر " في كونه حقيقة في الماء، أو في الأُخْدُود؟

ويقال: فرس بَحْر أي: واسع الجَرْي، ويقال: أبْحَرَ الماء: ملح؛ قال نُصَيْب: [الطويل]
482ـ وَقَدْ عَادَ مَاءُ الأَرْضِ بَحْراً فَزَادَنِي     إلَى مَرَضِي أنْ أبْحَرَ المَشْرَبُ العَذْبُ
والبَحْر يكنى إياه، وقد يطلق على العَذْب بحراً، وهو مختص بالماء المَلْح، وفيه خلاف. و " البَحْر ": البلدة، يقال: هذه بَحْرتنا، أي: بلدتنا.

و " البحر ": السُّلال يصيب الإنسان. ويقولون: لقيته صَحْرَةً بَحْرَةً، أي: بارزاً مكشوفاً.

قوله: " فأنجيناكم " أي: أخرجناكم منه، يقال: نجوت من كذا نِجَاءً، ممدوداً، ونَجَاةً، مقصوراً، والصدق مَنْجَاة، وأَنْجَيْت غيري ونَجَّيته، وقرىء بهما:وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم } [البقرة:49] " فأنجيناكم ".

قوله: { وَأَغْرَقْنَآ ءَالَ فِرْعَوْنَ }.

" الغَرَق ": الرسوب في الماء، يقال: غَرِقَ في الماء غَرَقاً، فهو غَرِقٌ وغَارِقٌ أيضاً، وأَغْرَقَ غَيْرَهُ وغَرَّقَهُ، فهو مُغَرَّقٌ وغَرِيقٌ؛ قال أبو النَّجْمِ: [الرجز]
483ـ مِنْ بَيْن مَقْتُولٍ وطَافٍ غَارِقٍ   
ويطلق على القتل بأي نوع كان؛ قال الأعشى: [الطويل]
484ـ...................     ألاَ لَيْتَ قَيْساً غَرَّقَتْهُ القَوابِلُ
وذلك إن القَابِلَةَ كانت تغرق المولود في دم السَّلَى عام القَحْطِ، ذكراً كان أو أنثى حتى يموت، فهذا الأصل، ثم جعل كل قتل تغريقاً، ومنه قول ذي الرمة: [الطويل]

السابقالتالي
2 3