الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَٰعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ }

" يوماً " مفعول به، [ولا بد من حذف] مضاف أي: عذاب يوم أو هول يوم، وأجيز أن يكون منصوباً على الظرف، والمفعول محذوف تقديره: واتقوا العَذَاب في يومٍ صِفَتُهُ كَيْتَ وَكَيْتَ.

ومنع " أبو البقاء " كونه ظرفاً، قال: " لأن الأمر بالتقوى لا يقع في يوم القيامة ".

والجواب عما قاله: أن الأمر بالحَذَرِ من الأسباب المؤدّية إلى العقاب في يوم القيامة.

وأصل " اتَّقُوا ": " اوْتَقُوا " ، ففعل به ما تقدم فيتَتَّقُونَ } [البقرة:21]. قوله: { لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ }.

التنكير في " نفس " و " شيئاً " معناه أن نفساً من الأنفس لا تجزي عن نفس مثلها شيئاً من الأشياء، وكذلك في " شَفَاعة " و " عَدْل ".

قال الزمخشري: و " شيئاً " مفعول به على أن تجزي بمعنى " تقتضي " ، أي: لا تقضي نفسٌ عن غيرها شيئاً من الحُقُوق، ويجوز أن يكون في موضع مَصْدَر، أي: قليلاً من الجزاء كقوله:وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً } [مريم:60]، أي: شيئاً من الجزاء؛ لأن الجزاء شيء، فوضع العام موضع الخاص.

واجْتَزَأْتُ بالشَّيء اجْتِزَاءً: اكْتَفَيْتُ، قال الشاعر: [الوافر]
462ـ بأَنَّ الغَدْرَ في الأَقْوَامِ عَارٌ    وَأَنَّ الحُرَّ يَجْزَأُ بِالكُرَاعِ
أي: يجتزىء به.

والجملة في محلّ نصب صفة لـ " يوماً " ، والعائد محذوف، والتقدير: لا تَجْزِي فيه، ثم حذف الجار والمجرور، لأن الظروف يتّسع فيها ما لا يتّسع في غيرها، وهذا مذهب " سيبويه ".

وقيل: بل حذف بعد حذف حَرْفِ الجَرّ، ووصول الفعل إليه فصار: لا تجزية؛ كقوله: [الطويل]
463ـ وَيَوْمٍ شَهِدْنَاهُ سُلَيْماً وَعَامِراً    قَلِيلٍ سِوَى الطَّعْنِ النَّهَالِ نَوَافِلُهْ
ويُعْزَى للأخفش، إلاّ أن " المهدوي " نقل أن أن الوجهين المتقدّمين جائزان عند الأخفش وسيبويه والزجاج؛ ويدلّ على حذف عائد الموصوف إذا كان منصوباً قوله:[الوافر]
464ـ فَمَا أَدْرِي أَغَيَّرَهُمْ قَنَاءٍ     وَطُولُ الدَّهْرِ أَمْ مَالٌ أَصَابُوا؟
أي: أصابوه، ويجوز عند الكوفيين أن يكون التقدير: يوماً يوم لا تَجْزي نفسٌ، فيصير كقوله تعالى:يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ } [الانفطار:19]، ويكون " اليوم " الثاني بدلاً من يوماً الأول، ثم حذف المُضَاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، كقوله:وَٱسْأَلِ ٱلْقَرْيَةَ } [يوسف:82]، وعلى هذا لا يحتاج إلى تقدير عائدٍ؛ لأن الظرف متى أضيف إلى الجملة بعده لم يؤت له فيها بضمير، إلاّ في ضرورة شعر؛ كقوله: [الوافر]
465ـ مَضَتْ مائَةٌ لِعَامَ وُلِدْتُ فِيهِ     وَسَبْعٌ بَعْدَ ذَاكَ وَحِجَّتَانِ
و " عن نفس " متعلّق بـ " تجزي " ، فهو في محلّ نصب به.

قال " أبو البَقَاء ": يجوز أن يكون نصباً على الحال.

و " الجزاء ": القضاء والمكافأة؛ قال: [الرجز]

السابقالتالي
2 3