الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَٰوةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى ٱلْخَٰشِعِينَ }

قوله: { وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَٰوةِ } جملة أمرية عطف على ما قبلها من الأوامر، ولكن اعترض بينهما بهذه الجمل.

وأصل " اسْتَعِنُوا ": " اسْتَعونُوا " ففعل فيه ما فعل في " نَسْتَعِين " وقد تقدم تحقيقه ومعناه. و " بالصبر " متعلّق به، والياء للاستعانة أو للسّببية، والمُسْتَعَان عليه محذوف ليعم جميع الأحوال المستعان عليها، واستعان يتعدّى بنفسه نحو:وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } [الفاتحة:5]، ويجوز أن تكون الباء للحال، أي: مُلْتَبِسِينَ بالصبر.

والظَّاهر أنه يتعدّي بنفسه وبالباء، تقول: استعنت الله واستعنت بالله، وقد تقدم أن السِّين للطلب.

والصّبر: الحبس على المكروه؛ ومنه: " قُتِلَ فُلاَنٌ صَبْراً "؛ قال: [الوافر]
454ـ فَصَبْراً في مَجَالِ المَوْتِ صَبْراً    فَمَا نَيْلُ الخُلُودِ بِمُسْتَطَاعِ
و " المَصْبُورة " التي نهي عنها في الحديث هي المَحْبُوسة على الموت، وهي المجثمة. والصبر المأمور به هو الصَّبر على الطَّاعة، وعن المخالفة، وإذا صبر عن المَعَاصي فقد صبر على الطَّاعة.

قال النحاسي: " ولا يقال لمن صبر على المصيبة: صابر إنما يقال: صابر على كذا ". ويرده قوله تعالى:وَبَشِّرِ ٱلصَّابِرِينَ } [البقرة:155] ثم قال:ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ } [البقرة:156] الآية.

فصل في فضل الصلاة

خص الصلاة بالذكر من بين سائر العِبَادات تنويهاً بذكرها.

وكان عليه الصلاة والسَّلام " إذا حَزَبَهُ أمر فَزَعَ إلى الصَّلاة ".

ومنه ما روي عن عبد الله بن عَبَّاسِ أنه نُعي إليه أخوه قثم ـ وقيل بنت له ـ وهو في سَفَرٍ فاسْتَرجع وقال: عَوْرَةٌ سَتَرَها الله، ومُؤْنَةٌ كَفَاها الله، وأجْرٌ ساقه الله، ثم تَنَحَّى عن الطريق وصَلَّى، ثم انصرف إلى راحلته وهو يقرأ: { وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَٰوةِ }.

فالصلاة على هذا التأويل هي الشرعية.

وقال قوم: هي الدعاء على عرفها في اللُّغة، فتكون الآية على هذا التأويل مشبهة لقوله تعالى:إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَٱثْبُتُواْ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ } [الأنفال:45]؛ لأن الثبات هو الصبر، والذكر هو الدعاء.

وقال مجاهد: الصبر في هذه الآية الصَّوم، ومنه قيل لرمضان: شهر الصَّبْرِ، فجاء الصَّوم والصَّلاة على هذا القول في الآية متناسباً في أن الصِّيَام يمنع من الشَّهَوَات، ويزهد في الدنيا، والصَّلاة تنهى عن الفَحْشَاء والمُنْكَرِ، وتخشع، ويقرأ فيها القرآن الذي يذكر الآخرة.

وإنما قدم الصَّبر على الصلاة؛ لأن تأثير الصَّبر في إزالة ما لا ينبغي، وتأثير الصَّلاة في حصول ما ينبغي.

وقد وصف الله ـ تعالى ـ نفسه بالصَّبْرِ كما في حديث أبو موسى عن النبي صلى الله عليه سلم قال: " ليس أَحَدٌ أو ليس شيء أَصْبَرَ على أَذًى سمعه من اللَّه ـ تعالى ـ إنهم ليدعون له ولداً وإنه ليُعَافِيهمْ ويَرْزُقُهُمْ " أخرجه البُخَاري.

قال العلماء: وَصْفُ الله تعالى بالصبر إنما هو بمعنى الحِلْمِ، ومعنى وصفه ـ تعالى ـ بالحِلْمِ هو تأخير العقوبة عن مستحقِّيها، ووصْفُهُ ـ تعالى ـ بالصَّبْرِ لم يرد في التنزيل، وإنما ودر في حديث أبي موسى وتأوله أهل السُّنة على الحِلْمِ، قاله " ابن فورك " وغيره.

السابقالتالي
2 3