الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ أَتَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ ٱلْكِتَٰبَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }

الهمزة في " أتأمرون " للإنكار والتَّوبيخ، أو للتعجُّب من حالهم.

و " أمر " يتعدى لاثنين: أحدهما بنفسه، والآخر بحرف الجر، وقد يحذف، وقد جمع الشاعرُ بين الأمرين في قوله: [البسيط]
449ـ أَمْرْتُكَ الخَيْرَ فَافْعَلْ مَا أُمِرْتَ بِهِ    فَقَدْ تَرَكْتُكَ ذَا مَالٍ وَذَا نَشَبِ
و " الناس " مفعول أول، و " بالبر " مفعول ثانٍ، و " البر " سَعَةُ الخير من الصّلة والطاعة، ومنه: " البرّ " و " البَرِيّة " لسعتهما، والفعل منه: " بَرَّ ـ يَبَرُّ " ، على وزن " فَعِلَ ـ يَفْعَلَ " كـ " عَلِمَ ـ يَعْلَمُ "؛ قال: [الرجز]
450ـ لاهُمَّ رَبِّ إنَّ بَكْراً دُونَكَا    يَبَرُّكَ النَّاسُ وَيَفْجُرُونَكَا
أي: يطيعونك.

و " البِرّ " أيضاً: ولد الثَّعْلب، وسوق الغَنَم، ومنه قولهم: " لا يعرفُ الهِرَّ مِنَ البِرِّ " ، أي لا يعرف دُعَاءها من سوقها.

و " البِرّ " أيضاً: الفؤادُ، قال: [الطويل]
451ـ أَكُونُ مَكَانَ البِرِّ مِنْهُ ودُونَهُ   وَأَجْعَلُ مَا لِي دُونَهُ وأُوَامِرُهْ
و " البَرّ " ـ بالفتح ـ الإجْلاَل والتعظيم، ومنه: ولد بَرّ بوالديه، أي يعظمهما، والله تعالى بَرّ لِسَعَةِ خيره على خَلْقِهِ، وقد يكون بمعنى الصدقِ كما يقال: بَرّ في يمينه أي: صدق ولم يَحْنَثْ ويقال: صَدَقْتُ وَبَرَرْتُ.

قوله: { وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ } داخل في حَيّز الإنكار، وأصل " تنسون ": تَنْسَيُون " فأُعلّ بحذف الياء بعد سكونها، وقد تقدّم فيٱشْتَرُواْ } [البقرة:16] فوزنه " تَفْعُون " والنسيان: ضد الذِّكْر، وهو السَّهو الحاصل بعد حصول العلم، وقد يطلق على التَّرك، ومنه:نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ } [التوبة:67]، وقد يدخله التعليق حملاً على نقيضه، قال: [الطويل]
452ـ وَمَنْ أَنْتُمُ إِنَّا نَسِينَا مَنَ أنْتُمُ    وَرِيحُكُمْ مِنْ أَيِّ رِيحِ الأَعَاصِرِ
ويقال: رجل " نَسْيَان " ـ [بفتح النون ـ كثير النِّسْيَان ـ ونسيت الشيء نِسْيَاناً، ولا يقال: " نَسَيَاناً " ] ـ بالتحريك - لأن النَّسَيَان تثنية نَسَا العِرْق.

و " الأَنْفُس ": جمع نَفْس.

فإن قيل: النّسيان عبارة عن السّهو الحادث بعد حصول العلم، والنَّاسي غير مكلّف ومن لا يكون مكلفاً لا يجوز أن يذمّه الله ـ تعالى ـ على ما صدر منه، فالمراد بقوله: { وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ } أنكم تغفلون عن حق أنفسكم، وتعدلون عما لها فيه من النَّفْعِ.

قوله: { وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ ٱلْكِتَابَ } مبتدأ وخبر في محلّ نصب على حال، العامل فها " تنسون ".

و " التِّلاوة ": التتابع، ومنه تلاوة القرآن؛ لأن القارىء يتبع كلماته بَعْضَها ببعض، ومنه:وَٱلْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا } [الشمس:2] وأصل " تتلون ": " تتلوون " بواوين فاستثقلت الضمة على الواو الأولى فحذفت، فالتقى ساكنان، فحذفت الأولى فوزنه " تفعون ".

السابقالتالي
2 3 4