الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَآمِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُوۤاْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَٰتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّٰيَ فَٱتَّقُونِ }

قوله: " ما " يجوز أن تكون بمعنى " الذي " ، والعائد محذوف، أي: بالذي أنزلته، ويجوز أن تكون مصدرية، والمصدر واقع موقع المفعول أي: [بالمنزل].

و " مصدقاً " نصب على الحال، وصاحبها العائد المَحْذُوف.

وقيل: صحابها " ما " ، والعامل فيها " آمنوا " ، وأجاز بعضهم أن تكون " ما " مصدرية من غير جعله المصدر واقعاً موقع مفعول به، وجعل " لما معكم " من تمامه، أي: بإنزالي لما معكم، وجعل " مصدقاً " حالاً من " ما " المجرورة باللاَّم قدمت عليها، وإن كان صاحبها مجروراً؛ لأن الصَّحيح جواز تقديم حال المجرور بحرف الجر عليه؛ كقوله [الطويل]
431ـ فَإِنْ يَكُ أَذْوَادٌ أُصِبْنَ وَنِسْوَةٌ    فَلَنْ تَذْهَبُوا فِزْغاً بِقَتْلِ حِبَالِ
" فِرْغاً " حال من " بِقَتْل " ، وأيضاً فهذه " اللام " زائدة، فهي في حكم المطرح، و " مصدقاً " حال مؤكّدة؛ لأنه لا تكون إلا كذلك.

والظاهر أن " ما " بمعنى " الذي " وأن " مصدقاً " حال من عائد الموصول، وأن اللاّم في " لما " مقوية لتعدية " مصدقاً " لـ " ما " الموصولة بالظَّرْفِ.

فصل في بيان المخاطبين في الآية

اعلم أن المخاطبين بقوله: " وآمنوا " هم بنو إسرائيل لعطفه على قوله: { ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ } ، ولقوله: { مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ }.

وقوله: " بِمَا أَنْزَلت " فيه قولان:

أحدهما: أنه القرآن؛ لأنه وصفه بكونه منزلاً، وبكونه مصدقاً لما معهم.

والثاني: قال قَتَادَةُ: بما أنزلت من كتاب ورسول تجدونه مكتوباً في التَّوراة، والإنجيل.

ومن جعل " ما " مصدرية قدّرها بـ " إنزالي لما معكم " يعني: التوراة.

وقوله: { مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ } فيه تفسيران:

أحدهما: أن في القرآن أنَّ موسى وعيسى حَقّ، والتوراة والإنجيل حَقّ، فالإيمان بالقرآن مؤكّد للإيمان بالتوارة والإنجيل.

والثاني: أنه حصلت البِشَارَةُ بمحمد ـ عليه الصَّلاة والسَّلام ـ وبالقرآن في التوراة والإنجيل، فكان الإيمان بالقرآن، وبمحمد تصديقاً للتوراة والإنجيل، وتكذيب محمد والقرآن تكذيبٌ للتوراة والإنجيل.

قال ابن الخطيب: وهذا التفسير يدلّ على نبوة محمد ـ عليه الصَّلاة والسَّلام ـ من وجهين:

الأول: أن شهادة كتب الأنبياء ـ عليهم الصَّلاة والسَّلام ـ لا تكون إلا حقّاً.

والثاني: أنه ـ عليه الصلاة والسَّلام ـ لم يقرأ كتبهم، ولم يكن له معرفة بذلك إلاَّ من قبل الوحي.

قوله: { وَلاَ تَكُونُوۤاْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ }.

" أول " خبر كان، وفيه أربعة أقوال:

أحدهما ـ وهو مذهب سيبويه -: أنه " أفعل " ، وأن فاءه وعينه واو، وتأنيثه " أُوْلَى " ، وأصلها: " وُوْلَى " ، فأبدلت الواو همزة وجوباً، وليست مثل " وُورِي " في عدم قلبها لسكون الواو بعدها، لأن واو " أُوْلَى " تحركت في الجمع في قولهم " أوْل " ، فحمل المفرد على الجمع في ذلك، ولم يتصرف من " أول " فعل لاستثقاله.

السابقالتالي
2 3 4 5