الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ }

" والَّذِين " عطف على " الذين " قبلها، ثم لك اعتباران:

أحدهما: أن يكون من باب عطف بعض الصفات على بعض كقوله: [المتقارب]
128- إِلَى الْمَلِكِ الْقَرْمِ وابْنِ الْهُمَامِ   وَلَيْثِ الْكَتِيبَةِ فِي الْمُزْدَحَمْ
وقوله: [السريع]
129- يَا وَيْحَ زَيَّابَةَ لِلْحَارِثِ الصْـ   ـصَابِحِ فَالغَانِمِ فَالآيِبِ
يعني: أنهم جامعون بين هذه الأوصاف إن قيل: إن المراد بها واحد.

الثاني: أن يكونوا غيرهم.

وعلى كلا القولين، فيحكم على موضعه بما حكم على موضع " الَّذِين " المتقدمة من الإعراب رفعاً ونصباً وجرًّا قطعاً وإتباعاً كما مر تفصيله.

ويجوز أن يكون عطفاً على " المتّقين " ، وأن يكون مبتدأ خبره " أولئك " ، وما بعدها إن قيل: إنهم غير " الذين " الأولى. و " يؤمنون " صلة وعائد.

و " بما أنزل " متعلّق به و " ما " موصولة اسمية، و " أنزل " صلتها، وهو فعل مبني للمفعول، لعائد هو الضَّمير القائم مقام الفاعل، ويضعف أن يكون نكرة موصوفة وقد منع أبو البقاء ذلك قال: لأن النكرة الموصوفة لا عموم فيها، ولا يكمل الإيمان إلا بجميع ما أنزل.

و " إليك " متعلّق بـ " أنزل " ، ومعنى " إلى " انتهاء الغاية، ولها معان أخر:

المُصَاحبة:وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ } [النساء: 2].

والتبيين:رَبِّ ٱلسِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ } [يوسف: 33].

وموافقة اللام و " في " و " من ":وَٱلأَمْرُ إِلَيْكِ } [النمل: 33] أي: لك.

وقال النابغة: [الطويل]
130- فَلاَ تَتْرُكَنِّي بِالوَعِيدِ كَأَنَّنِي   إِلَى النَّاسِ مَطْلِيٌّ بِهِ الْقَارُ أَجْرَبُ
وقال الآخر: [الطويل]
131-.....................   أَيُسْقَى فَلاَ يُرْوَى إِلَيَّ ابْنُ أَحْمَرَا
أي: لا يروى منّي، وقد تزاد؛ قرىء: " تَهْوَى إليهم " [إبراهيم: 37] بفتح الواو.

و " الكاف " في محل جر، وهي ضمير المُخَاطب، ويتّصل بها ما يدل على التثنية والجمع تذكيراً وتأنيثاً كـ " تاء " المُخَاطب.

ويترك أبو جعفر، وابن كثير، وقالون، وأبو عمرو، ويعقوب كل مَدّة تقع بين كلمتين، والآخرون يمدونها.

و " النزول " الوصول والحلول من غير اشتراط عُلُوّ، قال تعالى:فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ } [الصافات: 177] أي حلّ ووصل.

قال ابن الخطيب: والمراد من إنزال الوَحْي، وكون القرآن منزلاً، ومنزولاً به - أن جبريل سمع في السماء كلام الله - تعالى - فنزل على الرسول به، كما يقال: نزلت رسالة الأمير من القَصْر، والرسالة لا تنزل ولكن المستمع يسمع الرسالة من عُلوّ، فينزل ويؤدي في سفل، وقول الأمير لا يُفَارق ذاته، ولكن السامع يسمع فينزل، ويؤدي بلفظ نفسه، ويقال: فلان ينقل الكلام إذا سمع وحدث به في موضع آخر.

فإن قيل: كيف سمع جبريل كلام الله تعالى؛ وكلامه ليس من الحروف والأصوات عندكم؟

قلنا: يحتمل أن يخلق الله - تعالى - له سمعاً لكلامه، ثم أقدره على عبارة يعبر بها عن ذلك الكلام القديم، ويجوز أن يكون الله - تعالى - خلق في اللَّوح المحفوظ كتابةً بهذا النظم المخصوص، فقرأه جبريل - عليه السلام - فحفظه، ويجوز أن يخلق الله أصواتاً مقطّعة بهذا النظم المخصوص في جسم مخصوص، فيتلقّفه جبريل - عليه السلام - ويخلق له علماً ضرورياً بأنه هو العبارة المؤدّية لمعنى ذلك الكلام القديم.

السابقالتالي
2 3 4