الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ فَتَلَقَّىٰ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَٰتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ }

الفاء في قوله: " فتلقى " عاطفة لهذه الجملة على ما قبلها، و " تلقى " " تفعل " من اللِّقَاء بمعنى المجرّد.

وله معانٍ أخر: مطاوعة " فعل " نحو: " كسرته فتكسر ".

والتجنب نحو: " تجنب " أي: جانب الجَنْبَ.

والتكلّف نحو: تحلّم.

والصيرورة: تأَلَّم.

والاتخاذُ: نحو: تَبَنَّيْتُ الصبي، أي: اتخذته ابناً.

ومُوَاصلة العمل في مُهْلَة نحو، تجرّع وتفهم.

ومُوَافقة استفعل نحو: تكبر.

والتوقُّع نحو: تخوّف.

والطَّلب نحو: تنجّز حاجته.

والتكثير نحو: تغطَّيت بالثياب.

والتلبُّس بالمُسَمَّى المُشْتَقّ منه نحو: تقمّص، أو العمل فيه نحو: تسحّر.

والختل: نحو: تغفلته.

وزعم بعضهم أن أصل " تَلَقَّى ": " تَلَقَّنَ " بالنون فأبدلت النون ألفاً، وهذا غلط؛ لأن ذلك إنما ورد في المضعّف نحو " قَصَّيْتُ أظَافري " و " تَظَنَّيْتُ " و " أمليت الكتاب " في " قَصَصْتُ " و " تَظَنَّنْتُ " ، و " أمْلَلْتُ " فأحد الحرفين إنما يقلب ياء إذا تجانسا.

قال القَفَّال: أصل التلقِّي هو التعرُّض للقاء، ثم وضع في موضع الاستقبال للمتلقِّي، ثم يوضع القبول والأخذ، قال تعالى:وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلْقُرْءَانَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ } [النمل:6] ويقال: خرجنا نتلقى [الحاجَّ]، أي: نستقبلهم، وكان - عليه الصَّلاة والسَّلام - يتلقّى الوحي، أي: يستقبله ويأخذه.

وإذا كان هذا أصل الكلمة، وكان من تلقى رجلاً فتلاقيا لقي كل واحد صاحبه، فأضيف الاجتماع إليهما معاً صلح أن يشتركا في الوَصْفِ بذلك، فجاز أن يقال: تلقَّى آدمَ بالنَّصب على معنى جاءته عن الله - تعالى - كلمات، و " من ربه " متعلّق بـ " تلقى " ، و " من " لابتداء الغاية مجازاً.

وأجاز أبو البَقَاءِ أن يكون في الأصل صفة لـ " كلمات " فلما قدم انتصب حالاً، فيتعلّق بمحذوف، و " كلمات " مفعول به.

وقرأ " ابن كثير " بنصب " آدم " ، ورفع " كلمات " ، وذلك أن مَنْ تلقَّاك فقد تلقيته، فتصبح نسبة الفعل إلى كلّ واحد.

وقيل: لما كانت الكلمات سبباً في توبته جعلت فاعلة، ولم يؤنث الفعل على هذه القراءة وإن كان الفاعل مؤنثاً؛ لأنه غير حقيقي، وللفصل أيضاً، وهذا سبيل كل فعلٍ فصل بينه وبين فاعله المؤنّث بشيء، أو كان الفاعل مؤنثاً مجازياً.

فصل في الكلمات التي دعا بها آدم ربه

اختلفوا في تلك الكلمات ما هي؟

فروى " سعيد بن جبير " رضي الله عنه أن آدم - عليه الصَّلاة والسَّلام - قال: يا ربّ ألم تخلقني بِيَدِكَ بلا وَاسِطَةٍ؟ قال: بلى، قال: يا رب أَلَمْ تنفخ فِيَّ من رُوحِكَ؟ قال: بلى.

السابقالتالي
2 3