الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً فَرِهَٰنٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ ٱلَّذِي ٱؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ تَكْتُمُواْ ٱلشَّهَٰدَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ }

قوله: { وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ }.

قال أهل اللُّغة (س ف ر) تركيب هذه الحروف للظُّهور، والكشف، والسفر هو الكتاب؛ لأنه يبيِّن الشيء ويوضحه، وسمي السِّفر سفراً؛ لأنَّه يسفر عن أخلاق الرِّجال، أي: يكشف، أو لأنه لمّا خرج من الكن إلى الصَّحراء فقد انكشف للنَّاس؛ أو لأنه لمَّا خرج إلى الصَّحراء فقد صارت أرض البيت منكشفةً خاليةً، وأسفر الصُّبح: إذا ظهر، وأسفرت المرأة عن وجهها: إذا كشفته، وسفرت عن القوم أسفر سفارة، أي: كشفت ما في قلوبهم، وسفرت أُسفر، أي: كنست، والسَّفر: الكنس، وذلك لأنك إذا كنست، فقد أظهرت ما كان تحت الغبار، والسّفر من الورق ما سفر به الرِّيح، ويقال لبقية بياض النَّهار بعد مغيب الشَّمس سفر لوضوحه.

فصل في بيان وجه النَّظم

اعلم أنَّه تعالى جعل البياعات في هذه الآية على ثلاثة أقسام:

بيع بكتاب وشهود، وبيع برهن مقبوضة، وبيع بالأمانة، ولما أمر في آخر الآية المتقدّمة بالكتاب، والإشهاد، وأعلم أنَّه ربما تعذَّر ذلك في السَّفر إمَّا ألاَّ يوجد الكاتب، أو إن وجد لكنَّه لا توجد آلات الكتابة، ذكر نوعاً آخر من الاستيثاق وهو أخذ الرَّهن، فهذا وجه النَّظم، وهذا أبلغ في الاحتياط من الكتابة والإشهاد.

قوله: { وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً } في هذه الجملة ثلاثة أوجهٍ:

أحدها: أنَّها عطفٌ على فعل الشَّرط، أي: " وَإِنْ كُنْتُم " ، " وَلَمْ تَجِدُواْ " فتكون في محلِّ جزمٍ لعطفها على المجزوم تقديراً.

والثاني: أن تكون معطوفةً على خبر " كان " ، أي: وإن كنتم لم تجدوا كاتباً.

والثالث: أن تكون الواو للحال، والجملة بعدها نصب على الحال، فهي على هذين الوجهين الأخيرين في محلّ نصبٍ.

والعامة على " كاتباً " اسم فاعل. وقرأ أُبي ومجاهدٌ، وأبو العالية: " كِتاباً " ، وفيه وجهان:

أحدهما: أنَّه مصدرٌ أي ذا كتابة.

والثاني: أنه جمع كاتبٍ، كصاحبٍ وصحابٍ. ونقل الزمخشريُّ هذه القراءة عن أُبيّ وابن عبَّاسٍ فقط، وقال: " وَقَالَ ابْنُ عباس: أرأيت إن وَجَدْتَ الكاتب، ولم تجد الصَّحيفة والدَّواة ". وقرأ ابن عباس والضَّحَّاك: " كُتَّاباً " على الجمع [اعتباراً] بأنَّ كلَّ نازلةٍ لها كاتبٌ. وقرأ أبو العالية: " كُتُباً " جمع كتاب، اعتباراً بالنَّوازل، قال شهاب الدين: قول ابن عباس: " أَرَأَيْتَ إِنْ وَجَدْتَ الكَاتِبَ... إلخ " ترجيحٌ للقراءة المرويَّة عنه واستبعادٌ لقراءة غيره " كاتباً " ، يعني أن المراد الكتاب لا الكاتب.

قوله: " فَرِهَانٌ " فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: أنه مرفوعٌ بفعلٍ محذوفٍ، أي: فيكفي عن ذلك رهنٌ مقبوضةٌ.

الثاني: أنه مبتدأ والخبر محذوفٌ، أي: فرهن مقبوضة تكفي.

الثالث: أنَّه خبر مبتدأ محذوف تقديره: فالوثيقة، أو فالقائم مقام ذلك رهن مقبوضةٌ.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7