الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَٱكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِٱلْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ ٱللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ وَلْيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإن كَانَ ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِٱلْعَدْلِ وَٱسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَٱمْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ ٱلشُّهَدَآءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا ٱلأُخْرَىٰ وَلاَ يَأْبَ ٱلشُّهَدَآءُ إِذَا مَا دُعُواْ وَلاَ تَسْأَمُوۤاْ أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَو كَبِيراً إِلَىٰ أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَٰدَةِ وَأَدْنَىٰ أَلاَّ تَرْتَابُوۤاْ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوۤاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

في كيفية النظم وجهان:

الأول: أنَّ تعالى لمَّا ذكر الإنفاق في سبيل الله، وهو يوجب تنقيص المال، وذكر الرِّبا، وهو - أيضاً - سبب تنقيص المال، وختم هذين الحكمين بالتهديد بقولهوَٱتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللهِ } [البقرة:281] والتقوى تسدُّ على الإنسان أكثر أبواب المكاسب، والمنافع - أتبع ذلك بأن ندبه إلى كيفية حفظ المال الحلال، وصونه عن الفساد، فإن القدرة على الإنفاق في سبيل الله، وعلى ترك الرِّبا، وعلى ملازمة التقوى، لا يتم إلاَّ عند حصول المال؛ فلأجل هذا بالغ في الوصيَّة بحفظ المال، ونظيرهوَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللهُ لَكُمْ قِيَاماً } [النساء:5] فحثَّ على الاحتياط في أمر الأموال؛ لكونها سبباً لمصالح المعاش والمعاد.

قال القفَّال - رحمه الله تعالى - ويدلُّ على ذلك: أنَّ ألفاظ القرآن جارية في الأكثر على الاختصار، وفي هذه الآية بسطٌ شديدٌ؛ ألاَّ ترى أنَّه قال تعالى { إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَٱكْتُبُوهُ } ، ثم قال ثانياً: { وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِٱلْعَدْلِ } ، ثم قال ثالثاً: { وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ ٱللهُ } ، فكان هذا كالتِّكرار لقوله: { وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِٱلْعَدْلِ }؛ لأنَّ العدل هو ما علَّمه الله، ثم قال رابعاً: " فَلْيَكْتُبْ " وهذا إعادةٌ للأمر الأول؛ ثم قال خامساً: { وَلْيُمْلِلِ ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ } وفي قوله: { وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِٱلْعَدْلِ } كفاية عن قوله: { وَلْيُمْلِلِ ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ }؛ لأنَّ الكاتب بالعدل إنَّما يكتب ما يملُّ عليه، ثم قال سادساً: { وَلْيَتَّقِ ٱللهَ رَبَّهُ } ، وهذا تأكيدٌ، ثم قال سابعاً: { وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً } ، وهذا كالمستفاد من قوله: { وَلْيَتَّقِ ٱللهَ رَبَّهُ } ، ثم قال ثامناً: { وَلاَ تَسْأَمُوۤاْ أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَو كَبِيراً إِلَىٰ أَجَلِهِ } ، وهو أيضاً تأكيد لما مضى، ثم قال تاسعاً: { ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ ٱللهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلاَّ تَرْتَابُوۤاْ } ، فذكر هذه الفوائد الثلاثة لتلك التَّأكيدات السَّالفة، وكلُّ ذلك يدلُّ على المبالغة في التَّوصية بحفظ المال الحلال، وصونه عن الهلاك؛ ليتمكن الإنسان بواسطته من الإنفاق في سبيل الله، والإعراض عن مساخط الله: من الرِّبا، وغيره، والمواظبة على تقوى الله.

الوجه الثاني: قال بعض المفسرين: إنَّ المراد بهذه المداينة " السَّلَمُ " فإن الله تبارك وتعالى لما منع من الرِّبا في الآية المتقدِّمة؛ أذن في السَّلم في هذه الآية، مع أنَّ جميع المنافع المطلوبة من الرِّبا حاصلة في السَّلم، وبهذا قال بعض العلماء: لا لذَّة، ولا منفعة يوصل إليها بالطَّريق الحرام، إلا والله - صلى الله عليه وسلم - سبحانه وتعالى - وضع لتحصيل تلك اللَّذَّة طريقاً حلالاً، وسبيلاً مشروعاً.

فصل

قال سعيد بن المسيَّب: بلغني أنَّ أحدث القرآن بالعرش آية الدَّين.

التداين تفاعل من الدَّين كتبايع من البيع، ومعناه: داين بعضكم بعضاً، وتداينتم: تبايعتم بدين.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد