الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }

قوله: { وَٱتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللهِ } الآية انتصب قوله " يَوْماً " على المفعول به، لا على الظرف؛ لأنه ليس المعنى واتَّقوا في هذا اليوم، لكن المعنى تأهَّبوا للقائه، بما تقدِّمون من العمل الصالح، ومثله:فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ ٱلْوِلْدَانَ شِيباً } [المزمل:17] أي: كيف تتقون هذا اليوم الذي هذا وصفه، مع الكفر بالله تعالى.

فصل في آخر ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم من القرآن

قال ابن عباس - رضي الله عنهما - هذه آخر آيةٍ نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك لأنه - عليه الصَّلاة والسَّلام - لما حجَّ نزلتوَيَسْتَفْتُونَكَ } [النساء:172] وهي آية الكلالة ثم نزلت، وهو واقفٌ بعرفةٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } [المائدة:3] ثم نزل { وَٱتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللهِ } فقال جبريل - عليه السلام - يا محمد ضعها على رأس مائتين وثمانين آية من سورة البقرة، وعاش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعدها أحداً وثمانين يوماً، وقيل أحداً وعشرين يوماً.

وقال ابن جريجٍ: تسع ليالٍ.

وقال سعيد بن جبير: سبع ليالٍ، وقيل: ثلاث ساعاتٍ، ومات يوم الاثنين، لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول، حين زاغت الشمس، سنة إحدى عشرة من الهجرة.

وقال الشعبي، عن ابن عباس: آخر آيةٍ نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آية الرِّبا.

قوله تعالى: { تُرْجَعُونَ فِيهِ }: هذه الجملة في محلِّ نصبٍ؛ صفةً للظرف. وقرأ أبو عمرو: " تَرْجِعُونَ " بفتح التاء؛ مبنياً للفاعل، والباقون بضَمِّ التَّاءِ مبنياً للمفعُولِ. وقرأ الحسنُ: " يَرْجِعُون " بياء الغيبة؛ على الالتفات. قال ابن جنِّي: " كأنَّ اللهَ تعالى رَفَقَ بالمؤمنينَ عن أنْ يواجِهَهُم بذكر الرَّجْعَة، إذ هي ممَّا تتفطَّر لها القلوب، فقال لهم: " واتَّقُوا " ثم رجع في ذكر الرجعة إلى الغيبة، فقال: يَرْجِعُون ".

واعلم أنَّ الرجوع لازمٌ ومتعدٍّ، وعليه خرِّجت القراءتان.

فصل في المراد باليوم

قال القاضي: اليوم: عبارةٌ عن زمانٍ مخصوصٍ، وذلك لا يتَّقى؛ إنَّما يتقى ما يحدث فيه من الشِّدة، والأهوال، واتقاء تلك الأهوال لا يمكن إلاَّ في دار الدُّنيا بمجانبة المعاصي، وفعل الواجبات؛ فصار قوله: { وَٱتَّقُواْ يَوْماً } يتضمن الأمر بجميع أنواع التكليف.

قال جمهور العلماء: المراد بهذا اليوم المحذَّر منه هو يوم القيامة.

وقيل يوم الموت، قال ابن عطية: والأول أصحُّ.

فصل

اعلم أنَّ الرجوع إلى الله ليس المراد منه، ما يتعلق بالمكان والجهة؛ فإن ذلك محالٌ على الله تعالى، وليس المراد الرجوع إلى علمه، وحفظه؛ فإنه معهم أينما كانوا، لكن كل ما في القرآن من الرجوع إلى الله، فله معنيان:

الأول: أن الإنسان له ثلاثة أحوالٍ مرتَّبين، فالأولى: كونهم في بطون أمَّهاتهم لا يملكون نفعهم، ولا ضرَّهم؛ بل المتصرف فيهم ليس إلاَّ الله تعالى.

السابقالتالي
2