قوله تعالى: { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ }: في " كان " هذه وجهان: أحدهما: - وهو الأظهر - أنها تامةٌ بمعنى حدث، ووجد، أي: وإن حدث ذو عسرةٍ، فتكتفي بفاعلها كسائر الأفعال، قيل: وأكثر ما تكون كذلك إذا كان مرفوعها نكرةٌ، نحو: " قد كان مِنْ مَطَرٍ ". والثاني: أنها الناقصة والخبر محذوفٌ. قال أبو البقاء: " تقديره: وإن كان ذو عسرة لكم عليه حقٌّ، أو نحو ذلك " وهذا مذهب بعض الكوفيين في الآية، وقدَّر الخبر: وإن كان من غرمائكم ذو عسرةٍ. وقدَّره بعضهم: وإن كان ذو عسرةٍ غريماً. قال أبو حيَّان: " وَحَذْفُ خبرِ كَانَ لا يجيزه أصحابنا؛ لا اختصاراً؛ ولا اقتصاراً، لعلَّةٍ ذكروها في كتبهم. وهي أنَّ الخبر تأكّد طلبه من وجهين: أحدهما: كونه خبراً عن مخبر عنه. والثاني: كونه معمولاً للفعل قبله، فلما تأكدت مطلوبيته، امتنع حذفه. فإن قيل: أليس أن البصريين لمَّا استدلَّ عليهم الكوفيون في أنَّ " ليس " تكون عاطفةً بقوله: [الرمل]
1269-.......................
إِنَّمَا يَجْزِي الفَتَى لَيْسَ الجَمَلْ
تأوَّلُوهَا على حَذْفِ الخَبَرِ؛ وأَنْشدوا شَاهِداً على حَذْفِ الخبرِ قولَه: [الكامل]
1270-........................
يَبْغِي جِوَارَكِ حِينَ لَيْسَ مُجِيرُ
وإذا ثبت هذا، ثبت في سائر الباب. فالجواب أن هذا مختصٌّ بليس؛ لأنها تشبه لا النافية، و " لا " يجوز حذف خبرها، فكذا ما أشبهها ". وتقوَّى الكوفيُّون بقراءة عبد الله، وأُبيّ؛ وعثمان: " وَإِنْ كَانَ ذَا عُسْرَةٍ " أي: وإن كان الغريم ذا عُسْرَةٍ. قال أبو عليّ: في " كان " اسمها ضميراً تقديره: هو، أي: الغريم، يدلُّ على إضماره ما تقدَّم من الكلام؛ لأنَّ المرابي لا بدَّ له ممَّن يرابيه. وقرأ الأعمش: " وإِنْ كان مُعْسِراً " قال الدَّاني، عن أحمد بن موسى: " إنها في مُصْحَفِ عبد الله كذلك ". ولكنَّ الجمهور على ترجيح قراءة العامة وتخريجهم القراءة المشهورة. قال مكي: وَإِنْ وقع ذُو عُسْرَةٍ، وهو سائغٌ في كلِّ الناس، ولو نصبت " ذا " على خبر " كان " ، لصار مخصوصاً في ناس بأعيانهم؛ فلهذه العلة أجمع القرَّاء المشهورون على رفع " ذو ". وقد أوضح الواحديُّ هذا، فقال: " أي: وإنْ وقع ذو عسرةٍ، والمعنى على هذا يصحُّ، وذلك أنه لو نصب، فقيل: وإن كان ذا عسرة، لكان المعنى: وإن كان المشتري ذا عُسْرةٍ، فنظرةٌ؛ فتكون النظرة مقصورةً عليه، وليس الأمر كذلك؛ لأن المشتري، وغيره إذا كان ذا عسرةٍ، فله النظرة إلى الميسرة ". وقال أبو حيَّان: مَنْ نصب " ذَا عُسْرَةٍ " ، أو قرأ " مُعْسِراً " فقيل: يختصُّ بأهل الرِّبا، ومن رفع، فهو عامٌّ في جميع من عليه دينٌ، قال: " وليس بلازمٍ، لأنَّ الآية إنما سِيقَتْ في أهل الربا، وفيهم نزلت " قال شهاب الدين: وهذا الجواب لا يجدي؛ لأنه وإن كان السياق كذا، فالحكم ليس خاصاً بهم.