الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }

قوله: { ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ }: مبتدأٌ، وخبره الجملة من قوله: { فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ } ودخلت الفاء؛ لما تضمَّنه الموصول من معنى الشرط. وقال ابن عطية رحمه الله: " وإنما يوجد الشَّبه - يعني بين الموصول، واسم الشرط - إذا كان الموصول موصولاً بفعل، وإذا لم يدخل على الموصول عاملٌ يغيِّر معناه ". قال أبو حيَّان - رحمه الله -: " فَحَصر الشَّبه فيما إذا كان " الَّذِي " موصولاً بفعل، وهذا كلامٌ غير محرَّرٍ، أمَّا قوله: " الَّذِي " فلا يختصُّ ذلك بـ " الذي " ، بل كلُّ ما كان موصولاً غير الألف واللام، حكمه حكم الذي " بلا خلافٍ، وفي الألف واللام خلاف، ومذهب سيبويه المنع من دخول الفاء.

الثاني: قوله " مَوْصولاً بفعل " فأطلق الفعل واقتصر عليه، وليس كذلك، بل شرط الفعل أن يصلح لمباشرة أداة الشرط، فلو قلت: الذي سَيَأْتِيني، أو لمَّا يأتيني، أو ما يأتيني، أو ليس يأتيني - فله درهمٌ - لم يجز شيءٌ من ذلك؛ لأنَّ أداة الشرط لا يصلح أن تدخل على شيءٍ من ذلك، وأمَّا الاقتصار على الفعل، فليس كذلك؛ بل الظرف والجارُّ والمجرور في الوصل كذلك، متى كان شيءٌ منهما صلةً لموصول، جاز دخول الفاء.

وقوله: " وَإِذَا لَمْ يَدْخُلْ على " الَّذي " عاملٌ يغيِّر معناه " عبارةٌ غير ملخَّصةٍ؛ لأن العامل لا يغيِّر معنى الموصول، إنما يغيِّر معنى الابتداء، بأن يصيِّره تمنِّياً، أو ترجِّياً، أو ظناً، نحو: لعل الذي يأتضيني، أو ليت الذي يأتيني، أو ظننت الذي يأتيني - فله درهمٌ، لا يجوز دخول الفاء لتغيُّر معنى الابتداء.

وكان ينبغي له - أيضاً - أن يقول: " بِشَرْطِ أَنْ يكونَ الخبرُ مستحِقاً بالصلةِ؛ كالآية الكريمة؛ لأنَّ ترتُّبَ الأجرِ إنما هو على الإِنْفاقِ ".

وقول الشيخ أيضاً: " بل كلُّ مَوْصُولٍ " ليس الحكم - أيضاً - مقتصراً على كلِّ موصولٍ، بل كلُّ نكرةٍ موصوفةٍ بما يجوز أن يكون صلةً مجوِّزةً لدخول الفاء، أو ما أُضيف إلى تلك النكرة، أو إلى ذلك الموصول، أو الموصوف بالموصول - حكمه كذلك. وقد تقدمت المسألة.

فصل في بيان سبب النُّزول

في سبب النزول وجوه:

الأول: لما نزل قوله تعالى:لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللهِ } [البقرة:273]، بعث عبد الرَّحمن بن عوف بدنانير كثيرةٍ إلى أصحاب الصُّفة، وبعث عليٌّ - كرم الله وجهه - بوسق تمرٍ ليلاً؛ فكان أحبَّ الصَّدقتين إلى الله تعالى، صدقه عليٍّ؛ فنزلت الآية.

وقدَّم الله تعالى ذكر الليل؛ ليعرف أنَّ صدقة اللَّيل كانت أكمل، رواه الضَّحَّاك، عن ابن عبَّاسٍ.

الثاني: روى مجاهدٌ عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال:

السابقالتالي
2