الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ ٱللَّهِ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ }

هذا الكلام متصلٌ بما قبله من ذكر الصدقات، كأنه بيَّن فيه جواز الصدقة على المشركين.

قوله: " هُداهُمْ ": اسم ليس، وخبرها الجارُّ والمجرور. و " الهُدَى " مصدرٌ مضافٌ إلى المفعول، أي: ليس عليك أن تهديهم، ويجوز أن يكون مضافاً لفاعله، أي: ليس عليك أن يهتدوا، يعني: ليس عليك أن تلجئهم إلى الاهتداء.

وفيه طباقٌ معنويٌّ، إذ التقدير: هَدْيُ الضَّالِّين، وفي قوله: { وَلَـٰكِنَّ ٱللهَ يَهْدِي } مع قوله تعالى: { هُدَاهُمْ } جناسٌ مغاير؛ لأنَّ إحدى الكلمتين اسمٌ، والأخرى فعلٌ، ومفعول { يَشَآءُ } محذوفٌ، أي: هدايته.

فصل في بيان سبب النزول

روي في سبب النزول وجوه:

أحدها: أن قُتَيْلَةَ أمَّ أسماء بنت أبي بكر، أتت إليها؛ تسألها شيئاً، وكذلك جدَّتها، وهما مشركتان؛ فقالت: لا أُعطيكما حتى أستأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنَّكما لستما على ديني، فاستأمرته في ذلك؛ فنزلت هذه الآية؛ فأمرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تتصدق عليهما.

الثاني: كان أُناسٌ من الأنصار، لهم قرابةٌ من قريظة والنَّضير، وكانوا لا يتصدقون عليهم، ويقولون ما لم تسلموا لا نعطيكم شيئاً؛ فنزلت هذه الآية الكريمة.

الثالث: قال سعيد بن جبير: كانوا يتصدقون على فقراء أهل الذمة، فلما كثر فقراء المسلمين، نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن التصدق على المشركين؛ كي تحملهم الحاجة على الدخول في الإسلام؛ فنزلت الآية الكريمة فتصدقْ عليهم والمعنى على جميع الروايات: ليس عليك هدى من خالفك؛ حتى تمنعهم الصدقة؛ لأجل أن يدخلوا في الإسلام، فتصدقْ عليهم، لوجه الله، ولا توقف ذلك على إسلامهم، والمراد بهذه الهداية هداية التوفيق، وأما هداية البيان، والدعوة، فكان على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

وظاهر هذه الآية أنها خطابٌ مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكن المراد به هو، وأُمَّته؛ ألا تراه قال:إِن تُبْدُواْ ٱلصَّدَقَاتِ } [البقرة:271] وهذا عامٌّ، ثم قال: { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ } وظاهره خاصٌّ، ثم قال بعده { وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ } وهذا عامٌّ، فيفهم من عموم ما قبل الآية الكريمة، وعموم ما بعدها: عمومها أيضاً.

فَصْلٌ في بَيان هدايةِ اللهِ لِلْمُؤْمِنِينَ

دلَّت هذه الآية الكريمة على أن هداية الله تبارك وتعالى غير عامَّةٍ، بل هي مخصوصة بالمؤمنين، لأن قوله تعالى: { وَلَـٰكِنَّ ٱللهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ } إثباتٌ للهداية المنفيَّة بقوله: { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ } ولكنَّ المنفي بقوله تعالى: { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ } هو حصول الاهتداء، على سبيل الاختيار، فكان قوله: { وَلَـٰكِنَّ ٱللهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ } عبارةٌ عن حصول الاهتداء على سبيل الاختيار، وهذا يقتضي أن يكون الاهتداء الحاصل بالاختيار واقعاً بتقدير الله تعالى، وتخليقه وتكوينه؛ وهو المطلوب.

السابقالتالي
2