الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ }

قوله تعالى: { وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن نَّفَقَةٍ } كقوله:مَا نَنسَخْ } [البقرة:106]وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ } [البقرة:197] وقد تقدَّم. وأيضاً تقدَّم الكلام في مادة " نَذَرَ " في قوله:أَأَنذَرْتَهُمْ } [البقرة:6]، إلاَّ أنَّ النَّذر له خصوصيَّة: وهو عقد الإنسان ضميره على شيءٍ، يقال: نذر فهو ناذرٌ؛ قال عنترة: [الكامل]
1233ب- الشَّاتِمَيْ عِرْضِي وَلَمْ أَشْتِمْهُمَا   والنَّاذِرَيْنِ إِذَا لَم الْقَهُمَا دَمِي
وأصله من التَّخويف تقول أنذرت القوم إنذاراً بالتخويف، وفي الشرع على ضربين: مفسر: كقوله للهِ عليَّ عَتْق رَقَبةٍ، ولِلَّهِ عليَّ حجٌّ فهاهنا يلزم الوفاء، ولا يجزيه غيره، وغير مفسَّر كقوله: نذرت لله تعالى ألاَّ أفعل كذا، ثم يفعله، أو يقول: لله عليَّ نذرٌ، ولم يسمِّه، فيلزمه كفارة يمينٍ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " َمَنْ نَذَرَ نَذْراً، وسَمَّى فَعَلْيهِ ما سمَّى، ومَنْ نَذَرَ نَذْراً، ولَمْ يُسَمِّ فَعَلَيْهِ كَفَّارةُ يَمِينٍ ".

قوله: { فَإِنَّ ٱللهَ يَعْلَمُهُ } جواب الشرط؛ إن كانت " ما " شرطيةً، أو زائدة في الخبر، إن كانت موصولة.

فإن قيل: لم وحَّد الضمير في " يَعْلَمُه " وقد تقدم شيئان النفقة، والنذر؟

فالجواب أن العطف هنا بـ " أو " ، وهي لأحد الشيئين، تقول: " إنْ جاء زيدٌ، أو عمروٌ أكرمتُه " ، ولا يجوز: أكرمتها، بل يجوز أن تراعي الأول نحو: زيدٌ أو هندٌ منطلقٌ، أو الثاني، نحو: زيدٌ أو هندٌ منطلقة، والآية من هذا، ولا يجوز أن يقال: منطلقان. ولهذا أوَّل النحاة:إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَٱللهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا } [النساء:135] كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. ومن مراعاة الأول قوله:وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً ٱنفَضُّوۤاْ إِلَيْهَا } [الجمعة:11]، على هذا لا يحتاج إلى تأويلات ذكرها المفسرون. وروي عن النَّحاس أنه قال: التقدير: وما أنفقتم من نفقةٍ، فإنَّ الله يعلمها، أو نذرتم من نذر، فإنَّ الله يعلمه، فحذف، ونظَّره بقوله تعالى:وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا } [التوبة:34] وقوله: [المنسرح]
1234- نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا وَأَنْتَ بِمَا   عِنْدَكَ رَاضٍ والرَّأْيُ مُخْتَلِفُ
وقول الآخر في هذا البيت: [الطويل]
1235- رَمَانِي بأَمْرٍ كُنْتُ مِنْه وَوَالِدِي   بَرِيئاً وَمِنْ أَجْلِ الطَوِيِّ رَمَانِي
وهذا لا يحتاج إليه؛ لأنَّ ذلك إنما هو في الواو المقتضية للجمع بين الشيئين، وأمَّا " أَوْ " المقتضية لأحد الشيئين، فلا. وقال الأخفش: الضمير عائدٌ إلى الأخير كقوله:وَمَن يَكْسِبْ خَطِيۤئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً } [النساء:112] وقيل: يعود إلى " ما " في قوله: " وَمَا أَنْفَقْتُمْ " لأنها اسمٌ كقوله:وَمَآ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ ٱلْكِتَابِ وَٱلْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ } [البقرة:231]، ولا حاجة إلى هذا أيضاً؛ لما عرفت من حكم " أو ".

قوله: { فَإِنَّ ٱللهَ يَعْلَمُهُ } أفاد: الوعد العظيم للمطيعين، والوعيد الشديد للمتمردين، لأنه يعلم ما في قلب المتصدق من الإخلاص فيتقبل منه تلك الطاعة؛ كما قال:

السابقالتالي
2