الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَٰتِكُم بِٱلْمَنِّ وَٱلأَذَىٰ كَٱلَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ } * { وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوٰلَهُمُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

اعلم أنَّه تعالى، لم ذكر هذين النَّوعين من الإنفاق ضرب واحداً منهما مثلاً.

قوله: " كَٱلَّذِي " الكاف في محلِّ نصبٍ، فقيل: نعتاً لمصدرٍ محذوفٍ، أي: لا تبطلوها إبطالاً كإبطال الذي ينفق رئاء النَّاس. وقي: في محلِّ نصبٍ على الحال من ضمير المصدر المقدَّر كما هو رأي سيبويه، وقيل: حالٌ من فاعل " تُبْطِلُوا " ، أي: لا تبطلوها مشبهين الذي ينفق ماله رياء النَّاس.

و " رِئَآءَ " فيه ثلاثة أوجهٍ:

أحدها: أنه نعتٌ لمصدر محذوفٍ تقديره: إنفاقاً رئاء النَّاس، كذا ذكره مكي.

والثاني: أنه مفعول من أجله، أي: لأجل رئاء النَّاس، واستكمل شروط النَّصب.

الثالث: أنه في محلِّ حالٍ، أي: ينفق مرائياً.

والمصدر هنا مضافٌ للمفعول، وهو " النَّاس " ، ورئاء مصدر راءى كقاتل قتالاً، والأصل: " رِئايا " فالهمزة الأولى عين الكلمة، والثانية بدلٌ من ياءٍ هي لام الكلمة، لأنها وقعت طرفاً بعد ألفٍ زائدةٍ. والمفاعلة في " راءَى " على بابها، لأنَّ المرائي يري النَّاس أعماله؛ حتى يروه الثَّناء عليه، والتَّعظيم له. وقرأ طلحة - ويروى عن عاصم -: " رِيَاء " بإبدال الهمزة الأولى ياء، وهو قياس الهمزة تخفيفاً؛ لأنَّها مفتوحةٌ بعد كسرةٍ.

قوله: { فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ } مبتدأٌ وخبرٌ، ودخلت الفاء، قال أبو البقاء: " لتربط الجُمْلَة بِمَا قَبْلَهَا " كما تقدَّم، والهاء في " فَمَثَلُهُ " فيها قولان:

أظهرهما: أنها تعود على " الَّذي يُنْفِقُ رِئَاءَ النَّاسِ "؛ لأنَّه أقرب مذكورٍ فيكون المعنى أنَّ الله شبّه المانَّ المؤذي بالمنافق، ثم شبَّه المنافق بالحجر.

والثاني: أنها تعود على المانِّ المؤذي، كأنه تعالى شبَّهه بشيئين: بالذي ينفق رئاء وبصفوان عليه ترابٌ، فيكون قد عدل من خطاب إلى غيبة، ومن جمع إلى إفراد.

والصَّفوان: حجرٌ كبيرٌ أملس، وفيه لغتان:

أشهرهما سكون الفاء، والثانية فتحها، وبها قرأ ابن المسيّب والزُّهريُّ، وهي شاذَّةٌ؛ لأنَّ " فَعَلان " إنَّما يكون في المصادر نحو: النَّزوان، والغليان، والصفات نحو: رجلٌ طغيان وتيس عدوان، وأمَّا في الأسماء فقليلٌ جداً. واختلف في " صَفْوَان " فقيل: هو جمعٌ مفرده: صفا، قال أبو البقاء: " وجَمْعُ " فَعَلَ " على " فَعْلاَن " قليلٌ ". وقيل: هو اسم جنس.

قال أبو البقاء: " وهو الأجود، ولذلك عاد الضَّمير عليه مفرداً في قوله: عَلَيْه ".

وقيل: هو مفردٌ، واحده " صُفيٌّ " قاله الكسائي، وأنكره المبرَّد. قال: " لأنَّ صُفيّاً جمع صفا نحو: عصيّ في عصا، وقُفِيّ في قَفَا ". ونقل عن الكسائي أيضاً أنه قال: " صَفْوان مفردٌ، ويجمع على صِفوان بالكسر ".

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد