اعلم أنَّه تعالى، لم ذكر هذين النَّوعين من الإنفاق ضرب واحداً منهما مثلاً. قوله: " كَٱلَّذِي " الكاف في محلِّ نصبٍ، فقيل: نعتاً لمصدرٍ محذوفٍ، أي: لا تبطلوها إبطالاً كإبطال الذي ينفق رئاء النَّاس. وقي: في محلِّ نصبٍ على الحال من ضمير المصدر المقدَّر كما هو رأي سيبويه، وقيل: حالٌ من فاعل " تُبْطِلُوا " ، أي: لا تبطلوها مشبهين الذي ينفق ماله رياء النَّاس. و " رِئَآءَ " فيه ثلاثة أوجهٍ: أحدها: أنه نعتٌ لمصدر محذوفٍ تقديره: إنفاقاً رئاء النَّاس، كذا ذكره مكي. والثاني: أنه مفعول من أجله، أي: لأجل رئاء النَّاس، واستكمل شروط النَّصب. الثالث: أنه في محلِّ حالٍ، أي: ينفق مرائياً. والمصدر هنا مضافٌ للمفعول، وهو " النَّاس " ، ورئاء مصدر راءى كقاتل قتالاً، والأصل: " رِئايا " فالهمزة الأولى عين الكلمة، والثانية بدلٌ من ياءٍ هي لام الكلمة، لأنها وقعت طرفاً بعد ألفٍ زائدةٍ. والمفاعلة في " راءَى " على بابها، لأنَّ المرائي يري النَّاس أعماله؛ حتى يروه الثَّناء عليه، والتَّعظيم له. وقرأ طلحة - ويروى عن عاصم -: " رِيَاء " بإبدال الهمزة الأولى ياء، وهو قياس الهمزة تخفيفاً؛ لأنَّها مفتوحةٌ بعد كسرةٍ. قوله: { فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ } مبتدأٌ وخبرٌ، ودخلت الفاء، قال أبو البقاء: " لتربط الجُمْلَة بِمَا قَبْلَهَا " كما تقدَّم، والهاء في " فَمَثَلُهُ " فيها قولان: أظهرهما: أنها تعود على " الَّذي يُنْفِقُ رِئَاءَ النَّاسِ "؛ لأنَّه أقرب مذكورٍ فيكون المعنى أنَّ الله شبّه المانَّ المؤذي بالمنافق، ثم شبَّه المنافق بالحجر. والثاني: أنها تعود على المانِّ المؤذي، كأنه تعالى شبَّهه بشيئين: بالذي ينفق رئاء وبصفوان عليه ترابٌ، فيكون قد عدل من خطاب إلى غيبة، ومن جمع إلى إفراد. والصَّفوان: حجرٌ كبيرٌ أملس، وفيه لغتان: أشهرهما سكون الفاء، والثانية فتحها، وبها قرأ ابن المسيّب والزُّهريُّ، وهي شاذَّةٌ؛ لأنَّ " فَعَلان " إنَّما يكون في المصادر نحو: النَّزوان، والغليان، والصفات نحو: رجلٌ طغيان وتيس عدوان، وأمَّا في الأسماء فقليلٌ جداً. واختلف في " صَفْوَان " فقيل: هو جمعٌ مفرده: صفا، قال أبو البقاء: " وجَمْعُ " فَعَلَ " على " فَعْلاَن " قليلٌ ". وقيل: هو اسم جنس. قال أبو البقاء: " وهو الأجود، ولذلك عاد الضَّمير عليه مفرداً في قوله: عَلَيْه ". وقيل: هو مفردٌ، واحده " صُفيٌّ " قاله الكسائي، وأنكره المبرَّد. قال: " لأنَّ صُفيّاً جمع صفا نحو: عصيّ في عصا، وقُفِيّ في قَفَا ". ونقل عن الكسائي أيضاً أنه قال: " صَفْوان مفردٌ، ويجمع على صِفوان بالكسر ".