الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ ٱلطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ ٱجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ٱدْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَٱعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

هذه القصة الثالثة الدالَّةُ على صحَّة البعث.

في العامل في " إذْ " ثلاثةُ أوجه:

أظهرها: أنه قال: " أَوَلَمْ تُؤْمِن " ، أي: قال له ربَّه وقتَ قوله ذلك.

والثاني: أنه " أَلَمْ تَرَ " أي: ألم تر إذ قال إبراهيم.

والثالث: أنه مضمرٌ تقديره: واذكر قاله الزجاح فـ " إِذْ " على هذين القولين مفعولٌ به، لا ظرفٌ. و " ربِّ " منادى مضافٌ لياءِ المتكلم، حُذفَتْ؛ استغناءً عنها بالكسرةِ قبلَها، وهي اللغةُ الفصيحةُ، وحُذِف حرفُ النداءِ.

وقوله: " أَرِنِي " تقدَّم ما فيه من القراءات، والتوجيه في قوله:وَأَرِنَا } [البقرة:128] والرؤية ـ هنا ـ بصرية تتعدَّى لواحدٍ، ولمَّا دخلَتْ همزةُ النقل، أكسبته مفعولاً ثانياً، والأولُ ياءُ المتكلم، والثاني الجملة الاستفهامية، وهي معلقة للرؤية و " رأى " البصرية تُعَلَّق، كما تعلق " نَظر " البصرية، ومن كلامهم: " أَمَا تَرَى أَيُّ بَرْقٍ هَهُنَا ".

و " كَيْفَ " في محلِّ نصب: إمَّا على التشبيه بالظرف، وإمَّا على التشبيه بالحال، كما تقدَّم في قوله:كَيْفَ تَكْفُرُونَ } [البقرة:28]. والعاملُ فيها " تُحيي " وقدَّره مكي: بأي حالٍ تُحْيي الموتى، وهو تفسيرُ معنًى، لا إعرابٍ.

قال القرطبيُّ: الاستفهامُ بكيف، إنما هو سؤالٌ عن حالةِ شيءٍ موجودٍ متقرر الوجوه عند السائل، والمسؤول؛ نحو قولك: كيف علم زيد؟ وكيف نسج الثوب؟ ونحو هذا: ومتى قلت: كيف ثوبُكَ؟ وكيف زيدٌ؟ فإِنَّما للسؤال عن حالٍ من أحواله، وقد تكون " كَيْفَ " خبراً عن شيءٍ شأنه أَنْ يُسْتفهم عنه بكيف، نحو قولك: كيف شِئتَ فكُنْ، ونحو قول البخاريّ: " كَيْفَ كان بَدْءُ الوَحْي " ، و " كَيْفَ " في هذه الآية إِنَّما هي استفهامٌ عن هيئة الإِحياء، والإحياءُ متقرِّرٌ، ولكن لمَّا وجدنا بعض المنكرين لوجود شيءٍ، قد يعبرون عن إنكاره بالاستفهام عن حالة ذلك الشيء، يعلم أنها لا تصح؛ فيلزم من ذلك أَنَّ الشيء في نفسه لا يصحُّ؛ مثاله أَنْ يقول مُدَّعٍ أنا أرفع هذا الجبل، فيقول المكذِّب له: أَرِني كيف ترفعه فهذه طريقةُ مجاز في العبارة، ومعناها تسلِيمٌ جدلي، كأنه يقول: افرِض أَنَّكَ ترفعه، فأرني كيف ترفعه فلما كان في عبارة الخليل ـ عليه الصَّلاة والسَّلام ـ هذا الاشتراك المجازي، خلص اللهُ له ذلك، وحمله على أَنْ بيَّن له الحقيقة، فقال له: " أَوَ لَمْ تُؤْمِنْ؟ قال: بَلَى " فكمل الأَمر، وتخلص من كُلِّ شكٍّ.

فإِن قيل: ما الحكمة في أنه تعالى لم يُسَمِّ عزيراً، بل قال:أَوْ كَٱلَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ } [البقرة:259]، وهاهُنَا سمَّى إبراهيم، مع أَنَّ المقصُودَ في كِلتا القصَّتين شيءٌ واحِدٌ؟!

فالجواب: قال ابن الخطيب ـ رحمه الله ـ: والسببُ فيه: أَنَّ عزيراً لم يحفظِ الأَدَبَ، بل قال

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9