الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوْ كَٱلَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِـي هَـٰذِهِ ٱللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَٱنْظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَٱنْظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَٱنْظُرْ إِلَى ٱلعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

هذه القصة الثانية والجمهور على سكون واو " أَوْ " وهي هنا للتفضيل، وقيل: للتخيير بين التعجُّب من شأنهما، وقرأ سفيان بن حسين " أَوَ " بفتحها، على أنها واو العطف، والهمزة قبلها للاستفهام.

وفي قوله: " كَالَّذِي " أربعة أوجهٍ:

أحدها: أنه عطفٌ على المعنى وهو قولٌ عند الكسائي والفرَّاء وأبي علي الفارسيِّ وأكثر النحويّين، قالوا: ونظيره من القرآن قوله تعالى:لِّمَنِ ٱلأَرْضُ وَمَن فِيهَآ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ } [المؤمنون:84-85] ثم قال:مَن رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَاتِ ٱلسَّبْعِ وَرَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ } [المؤمنون:86-87]. فهذا عطف على المعنى؛ لأنَّ معناه: لمن السَّموات؟! فقيل لله؛ وقال الشَّاعر: [الوافر]
1193- مُعَاوِيَ، إِنَّنَا بَشَرٌ فَأَسْجِحْ   فَلَسْنَا بِالجِبَالِ وَلاَ الحَدِيدَا
فحمل على المعنى، وترك اللفظ، وتقدير الآية:

هل رأيت كالذي حاجَّ إبراهيم، أو كالذي مرَّ على قريةٍ، هكذا قال مكيٌّ، أمَّا العطف على المعنى، فهو وإن كان موجوداً في لسانهم؛ كقوله: [الطويل]
1194- تَقِيٌّ نَقِيٌّ لَمْ يُكَثِّرْ غَنِيمَةٌ   بِنَهْكَةِ ذِي قُرْبَى وَلاَ بِحَقَلَّدِ
وقول الأخر في هذين البيتين: [الوافر]
1195- أَجِدَّكَ لَنْ تَرَى بِثُعَيْلِبَاتٍ   وَلاَ بَيْدَانَ نَاجِيَةً ذَمُولاَ
وَلاَ مُتَدَارِكٍ وَاللَّيْلُ طَفْلٌ   بِبَعْضِ نَوَاشِغِ الوَادِي حُمُولاَ
فإنَّ معنى الأول: ليس بمكثِّر، ولذلك عطف عليه " وَلاَ بِحَقَلَّد " ، ومعنى الثاني: أجِدَّك لست بِرَاءٍ، ولذلك عطف عليه " وَلاَ مُتَدَارِكٍ " ، إلا أنهم نصُّوا على عدم اقتياسه.

الثاني: أنه منصوبٌ على إضمار فعلٍ، وإليه نحا الزمخشريُّ، وأبو البقاء، قال الزمخشريُّ: " أو كالَّذِي: معناه أوَ رَأَيْتَ مَثَلَ الَّذِي " ، فحذف لدلالة " أَلَمْ تَرَ " عليه؛ لأنَّ كلتيهما كلمتا تعجُّبٍ، وهو حسنٌ؛ لأنَّ الحذف ثابتٌ كثيرٌ، بخلاف العطف على المعنى.

الثالث: أنَّ الكاف زائدةٌ؛ كهي في قوله:لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [الشورى:11]، وقول الآخر: [السريع أو الرجز]
1196- فَصُيِّرُوا مِثْلَ كَعَصْفٍ مَأْكُولْ   
والتقدير: ألم تر إلى الذي حاجَّ، أو إلى الذي مرَّ على قريةٍ. وفيه ضعفٌ؛ لأنَّ الأصل عدم الزيادة.

والرابع: أنَّ الكاف اسم بمعنى مثل، لا حرفٌ؛ وهو مذهب الأخفش. قال شهاب الدِّين: وهو الصحيح من جهة الدليل، وإن كان جمهور البصريين على خلافه، فالتقدير: ألم تر إلى الذي حاجَّ، أو إلى مثل الذي مرَّ، وهو معنى حسنٌ. وللقول باسمية الكاف دلائل مذكورةٌ في كتب القوم، ذكرنا أحسنها في هذا الكتاب.

منها: معادلتها في الفاعلية بـ " مِثْل " في قوله: [الطويل]
1197- وَإِنَّكَ لَمْ يَفْخَرْ عَلَيْكَ كَفَاخِرٍ   ضَعِيفٍ وَلَمْ يَغْلِبْكَ مِثْلُ مُغَلَّبِ
ومنها دخول حروف الجر، والإسناد إليها. وتقدَّم [الكلام] في اشتقاق القرية.

قوله: " وهي خَاوِيَةٌ " هذه الجملة فيها خمسة أوجهٍ:

أحدها: أن تكون حالاً من فاعل " مَرَّ " والواو هنا رابطةٌ بين الجملة الحالية وصاحبها، والإتيان بها واجبٌ؛ لخلوِّ الجملة من ضمير يعود إليه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد