الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ ٱلَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَأْتِي بِٱلشَّمْسِ مِنَ ٱلْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ ٱلْمَغْرِبِ فَبُهِتَ ٱلَّذِي كَفَرَ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ }

تقدَّم الكلامُ في " أَلَمْ تَرَ إِلَى " في قوله:أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ } [البقرة:243] قال القرطبيّ: وهذه ألف التوقيف، وفي الكلام معنى التَّعجب، أي: أعجبوا له قال الفرَّاء: " أَلَمْ تَرَ " ، بمعنى: هل رأيتَ الَّذي حاجَّ إبراهيم، وهل رأَيْتَ الَّذي مرَّ على قرية؟

وقرأ عليٌّ رضي اللهُ عنه: بِسُكون الرَّاء وتقدَّم أيضاً توجيهها. والهاءُ في " رَبِّهِ " فيها قولان:

أظهرهما: أنها تعود على " إبراهيم ".

والثاني: على " الَّذِي " ، ومعنى حاجَّه: أظهرَ المغالبة في حجته.

فصل

أعلم أَنَّه تعالى ذكر هاهنا قصصاً ثلاثاً.

الأولى: في بيان إِثبات العالم بالصَّانع، والثانية والثالثة: في إثبات الحشرِ والنَّشرِ والبعث.

فالأولى مناظرة إبراهيم - عليه الصَّلاة والسَّلام - مع ملك زمانِهِ، وهي هذه.

قال مجاهِدٌ هو النُّمروذُ بن كنعانَ بن سام بن نُوح، هو أول من وضع التَّاجَ على رأسه، وتجبر وادَّعى الرُّبوبية؛ حاجَّ إبراهيم أي: خاصمَهُ وجادله، واختلفوا في وقتِ هذه المحاجَّةِ. فقال مقاتل: لمّا كسَّرَ الأَصنامَ سجنه النمروذ، ثم أخرجه ليحرقهُ فقال [له]: من رَبُّكَ الذي تَدعُونا إليه؛ فقال: { رَبِّيَ ٱلَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ }.

وقال آخرون: كان هذا بعد إلقائه في النَّار.

وقال قتادةُ: هو أَوَّلُ من تَجَبَّرَ، وهو صاحب الصَّرح ببابل.

وقيل هو نُمروذُ بن فالج بن عابر بن شالخ بن أَرفخشذ بن سام، وحكى السُّهيليُّ أنه النُّمروذُ بن كوش بن كنعان بن حام بن نوح، وكان ملكاً على السَّواد، وكان ملكه الضحاك الَّذي يُعْرَفُ بالأزدهاق وذلك أن النَّاس قحطوا على عهد نمروذ، وكان النَّاسُ يمتارون من عنده الطَّعام، وكان إذا أتاه الرَّجلُ في طلب الطَّعام سأَلَ: مَنْ رَبُّكَ فإن قال: أَنْت؛ نال من الطعام فأتاه إبراهيم فيمن أتاه، فقال له نمروذُ: من رَبُّكَ؛ فقال له إبراهيم: ربيّ الّذِي يُحْيي وَيُمِيتُ. فاشتغل بالمحاجَّة، ولم يعطه شيئاً، فرجع إبراهيم عليه الصلاة والسلام فمر على كثيبٍ من رَمْلٍ أعفرٍ، فأخذ منه تطييباً لقلوبِ أهْلِه إذا دخل عليهم؛ فلما أَتى أَهلهُ، ووضع متاعه نام فقامت امرأته إلى متاعه، ففتحته فإذا هو بأجود طعام رأَتهُ؛ فصنعت له منه فقربته إليه، فقال من أين هذا؟ قالت مِنَ الطَّعَامِ الَّذِي جئت به، فعرف أن الله - تعالى - رزقه فَحَمَدَ اللهَ تعالى.

قوله: { أَنْ آتَاهُ ٱللهُ } فيه وجهان:

أظهرهما: أَنَّهُ مفعولٌ من أجله على حذفِ العِلّة، أي: لأَنْ آتاه، فحينئذٍ في محلِّ " أَنْ " الوجهان المشهوران، أعني النَّصب، أو الجرِّ، ولا بُدَّ من تقديرِ حرفِ الجرِّ قبل " أَنْ "؛ لأَنَّ المفعول مِنْ أجلهِ هنا نَقَّص شرطاً، وهو عدمُ اتِّحادِ الفاعلِ، وإنما حُذفت اللامُ، لأَنَّ حرف الجرِّ يطَّرد حذفُهُ معها، ومع أنَّ، كما تقدَّم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8