الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَوْلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَاتِ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

" الوليّ " فعيل بمعنى: فاعل من قولهم: ولي فلان الشَّيء يليه ولاية، فهو وَال وولى، وأصله من الوَلْي الَّذي هو القُرْبُ؛ قال الهُذليُّ: [الكامل]
1188-.......................   وَعَدَتْ عَوَادٍ دُونَ وَلْيِكَ تَشْعَبُ
ومنه يقال داري تلي دارها، أي: تقرب منها ومنه يُقالُ للمحبّ المقارب ولي؛ لأَنَّهُ يقرب منك بالمحبَّةِ والنُّصرة، ولا يفارقك، ومنه الوالي؛ لأَنَّه يلي القوم بالتَّدبير والأمر والنّهي، ومنه المولى، ومن ثمّ قالوا في خلاف الولاية: العداوة من عدا الشَّيء: إذا جاوزه، فلأجل هذا كانت العَدَاوةُ خلاف الوِلاَية ومعنى قوله تبارك وتعالى: { ٱللهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } ، أي: ناصرهم ومعينهم، وقيل: مُحبهم.

وقيل: متولي أمورهم لا يكلهم إلى غيره.

وقال الحسنُ: ولي هدايتهم.

قوله: { يُخْرِجُهُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ } ، أي: من الكُفْرِ إلى الإيمان.

قال الواقدي: كلّ ما في القرآن من الظُلُماتِ، والنور فالمرادُ منه: الكفر والإيمان غير التي في سورة الأنعاموَجَعَلَ ٱلظُّلُمَاتِ وَٱلنُّورَ } [الأنعام:1] فالمراد منه اللَّيل والنَّهار، سُمي الكفر ظُلمة لالتباس طريقه، وسُمي الإسلام نُوراً، لوضوح طريقه.

وقال أَبو العبَّاس المُقْرىءُ " الظُّلُمَات " على خمسة أوجه:

الأول: " الظُّلُمَاتُ " الكفر كهذه الآية الكريمة.

الثاني: ظُلمة اللَّيلِ قال تعالى: { وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَاتِ وَٱلنُّورَ } يعني اللَّيل والنهار.

الثالث: الظُّلُمَات ظلمات البر والبحر والأهوال قال تعالى:قُلْ مَن يُنَجِّيكُمْ مِّن ظُلُمَاتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ } [الأنعام:63] أي من أهوالهما.

الرابع: " الظُّلُمَات " بطون الأُمَّهات، قال تعالى:فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ } [الزمر:6] يعني المشيمة والرحم والبطن.

الخامس: بطنُ الحُوتِ قال تعالى:فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَاتِ } [الأنبياء:87] أي في بطنِ الحوت.

فصل في سبب النُّزولِ

ظاهر الآية يقتضي أنهم كانُوا في الكفر، ثم أخرجهم اللهُ تعالى من ذلك الكُفْرِ إلى الإِيمان، وهاهنا قولان:

الأول: أَنَّ هذه الآية مختصَّةٌ بمن كان كافراً، ثم أَسلم، وذكر في سبب النُّزول روايات:

أحدها: قال مجاهدٌ: نزلت هذه الآية في قوم آمنوا بعيسى، وقوم كفروا به، فلما بعث اللهُ سبحانه وتعالى محمداً - عليه الصَّلاة والسَّلام - آمن به من كفر بعيسى وكفر به من آمن بعيسى.

وثانيتهما: أنها نزلت في قوم آمنوا بعيسى - عليه الصَّلاة والسَّلام - على طريقة النَّصَارى، ثم آمنوا بعده بمحمد - عليه الصَّلاة والسَّلام - فقد كان إِيمانهم بعيسى حين آمنوا به كفراً، وظلمةً، لأَنَّ القول بالاتِّحاد كفرٌ باللهِ تعالى، أخرجهم من تِلْكَ الظُّلمات إلى نور الإِسلامِ.

وثالثتها: أنها نزلت في كُلِّ كافر أسلم وآمن بمحمد - صلى الله عليه وسلم -.

القول الثاني: أَنْ يحمل اللَّفظ على كُلِّ مَنْ آمن بمحمد - صلى الله عليه وسلم - سواء كان ذلك الإيمان بعد كُفْرٍ، أو لم يكن؛ لأنه إخراج من ظُلُمات الكفر إلى نور الإِسلامِ؛ لقوله تعالى:

السابقالتالي
2 3