الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْعَظِيمُ }

اعلم أنَّ عادته سبحانه وتعالى في هذا الكتاب الكريم أن يذكر علم التَّوحيد، وعلم الأحكام، وعلم القصص، فإنَّ الإنسان إذا بقي في النَّوع الواحد، كان يوجب بعض الملال فإذا انتقل من نوع إلى نوع آخر، كان كأنَّه انشرح صدره، وفرح قلبه، فكأنه سافر من بلدٍ إلى بلدٍ آخر، وانتقل من بستان إلى بستان آخر، أو من تناول طعام لذيذ إلى تناول طعام آخر، ولا شكّ أنه يكون ألذَّ، وأشهى، فلمَّا تقدَّم من علم الأحكام وعلم القصص ما رآه مصلحة، ذكر الآن ما يتعلَّق بالتَّوحيد.

قوله تعالى: { ٱللهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ }: مبتدأٌ وخبرٌ وهو مرفوعٌ محمولٌ على المعنى، أي: ما إله إلاَّ هو، ويجوز في غير القرآن لا إله إلاَّ إيَّاه، نصب على الاستثناء.

وقيل: " ٱللهُ " مبتدأٌ، و " لاَ إِلَـٰهَ " مبتدأ ثان، وخبره محذوف تقديره معبود أو موجود.

و " ٱلْحَيُّ " فيه سبعة أوجه:

أحدها: أن يكون خبراً ثانياً للجلالة.

الثاني: أن يكون خبراً لمبتدأ محذوف، أي: هو الحيُّ.

الثالث: بدل من موضع: " لا إِلـه إِلاَّ الله هو " فيكون في المعنى خبراً للجلالة، وهذا في المعنى كالأول، إلا أنَّه هنا لم يخبر عن الجلالة إلاَّ بخبرٍ واحدٍ بخلاف الأول.

الرابع: أن يكون بدلاً من " هُوَ " وحده، وهذا يبقى من باب إقامة الظاهر مقام المضمر، لأنَّ جملة النَّفي خبرٌ عن الجلالة، وإذا جعلته بدلاً حلَّ محلَّ الأول، فيصير التقدير: الله لا إله إلا الله.

الخامس: أن يكون مبتدأٌ وخبره { لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ }.

السادس: أنه بدلٌ من " اللهِ ".

السابع: أنه صفة لله، وهو أجودها، لأنه قرئ بنصب " الحيَّ القَيُّومَ " على القطع، والقطع إنَّما هو في باب النَّعت، ولا يقال في هذا الوجه الفصل بين الصِّفة والموصوف بالخبر، لأنَّ ذلك جائزٌ حسن [تقول: زيدٌ قائمٌ العاقلُ].

و " ٱلْحَيُّ " فيه قولان:

أحدهما: أن أصله حييٌ بياءين من حيي يحيا فهو حيٌّ، وإليه ذهب أبو البقاء.

والثاني: أنَّ أصله حيوٌ فلامه واو فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها متطرِّفة، وهذا لا حاجة إليه، وكأنَّ الذي أحوج هذا القائل إلى ادِّعاء ذلك أنَّ كون العين، واللام من واد واحدٍ هو قليل في كلامهم بالنسبة إلى عدم ذلك فيه، ولذلك كتبوا " الحَيَاةَ " بواوٍ في رسم المصحف العزيز تنبيهاً على هذا الأصل، ويؤيده " الحَيَوَانُ " لظهور الواو فيه. ولناصر القول الأول أن يقول: قلبت الياء الثانية واواً تخفيفاً؛ لأنَّه لمَّا زيد في آخره ألفٌ ونونٌ استثقل المثلان.

وفي وزنه أيضاً قولان:

أحدهما: أنه فعل.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10