الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَٰكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَٱلْكَٰفِرُونَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ }

اعلم أنه تعالى لما أمر بالقتال بقوله:وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ } [البقرة:244] أعقبه بالحض على النفقة في الجهاد فقال:مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللهَ قَرْضاً حَسَناً } [البقرة:245] والمقصود منه الإنفاق في الجهاد، ثمَّ إنَّه أكد الأمر بالقتال بذكر قصَّة طالوت، ثم أعقبه بالأمر بالإنفاق في الجهاد في هذه الآية الكريمة.

قوله: " أَنْفِقُواْ ": مفعوله محذوفٌ، تقديره: شيئاً ممَّا رزقناكم، فعلى هذا " مِمَّا رَزَقْنَاكُم " متعلّقٌ بمحذوفٍ في الأصل لوقوعه صفةً لذلك المفعول، وإن لم تقدِّر مفعولاً محذوفاً، فتكون متعلِّقة بنفس الفعل. و " مَا " يجوز أن تكون بمعنى الذي، والعائد محذوفٌ، أي: رزقناكموه، وأن تكون مصدريَّةً، فلا حاجة إلى عائدٍ، ولكن الرّزق المراد به المصدر لا ينفق، فالمراد به اسم المفعول، وأن تكون نكرةً موصوفةً وقد تقدَّم تحقيق هذا عند قوله تعالى:وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } [البقرة:3].

قوله: " مِّن قَبْلِ " متعلِّقٌ أيضاً بأنفقوا، وجاز تعلُّقُ حرفين بلفظٍ واحدٍ بفعلٍ واحدٍ لاختلافهما معنًى؛ فإنَّ الأولى للتَّبعيض والثانية لابتداء الغاية، و " أَنْ يَأْتي " في محلِّ جرٍّ بإضافة " قبل " إليه، أي: من قبل إتيانه.

وقوله: { لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ } إلى آخره: الجملة المنفيَّة صفةٌ لـ " يَوم " فمحلُّها الرَّفع. وقرأ " بَيْعٌ " وما بعده مرفوعاً منوناً نافع والكوفيون وابن عامر، وبالفتح أبو عمرو وابن كثير، وتوجيه ذلك تقدم في قوله تبارك وتعالى:فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ } [البقرة:197].

والخلَّة: الصَّداقة، كأنها تتخلَّل الأعضاء، أي: تدخل خلالها، أي وسطها.

والخلَّة: الصديق نفسه؛ قال: [الطويل]
1173- وَكَانَ لَهَا في سَالِفِ الدَّهْرِ خُلَّةٌ   يُسَارِقُ بِالطَّرْفِ الخِبَاءَ المُسَتَّرَا
وكأنه من إطلاق المصدر على العين مبالغةً، أو على حذف مضافٍ، أي: كان لها ذو خلَّة، والخليل: الصَّديق لمداخلته إيَّاك، ويصلح أن يكون بمعنى فاعل، أو مفعول، وجمعه " خُلاَّن " ، وفعلان جمع فعيل يقل في الصّفات، وإنما يكثر في الجوامد نحو: " رُغْفَانٍ ".

قال القرطبيُّ: والخُلَّة: خالص المودَّة [مأخوذة من تخلل الأسرار بين الصديقين والخِلالة والخَلالة، والخُلالة: الصداقة، والمودة]؛ قال الشاعر: [المتقارب]
1174- وَكَيْفَ تُواصِلُ مَنْ أَصْبَحَتْ   خِلاَلَتُهُ كَأَبِي مَرْحَبِ
وأبو مرحب كنية الظِّلّ، ويقال: هو كنية عرقوب الذي قيل فيه: " مواعيد عرقوب ".

والخَلَّة ـ بالضَّمِّ ـ أيضاً ـ ما خالل من النبت يقال: الخلة خبز الإبل، والحمض فاكهتها.

والخَلَّة: - بالفتح - الحاجة والفقر، يقال: سدَّ خلته، أي: فقره.

والخِلَّة بالكسر ابن مَخَاض، عن الأصمعي: يقال أتاهم بقرص كأنَّه فِرْسِنُ خلة.

والأنثى خلَّة أيضاً، والخلّة: الخمرة الحامضة.

والخِلَّة - بالكسر - واحدة خلل السُّيوف، وهي بطائن كانت تغشى بها أجفان السُّيوف منقوشة بالذَّهب وغيره، وهي أيضاً سُيُور تلبس ظهور سيتي القوس، والخلّة أيضاً ما يبقى بين الأسنان.

السابقالتالي
2 3