الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ تِلْكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلَ ٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَلَـٰكِنِ ٱخْتَلَفُواْ فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلُواْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ }

قال القرطبيُّ: قال " تِلْكَ " ، ولم يقل " ذَلِكَ " مراعاةً لتأنيث لفظ الجماعة، وهي رفع بالابتداء، و " الرُّسُلُ " نعته، وخبر الابتداء الجملة وقيل: " الرسل " عطف بيان، و " فضَّلنا " الخبر.

فصل في مناسبة الآية لما قبلها

قال أبو مسلمٍ: وجه تعلق هذه الآية بما قبلها، ما ذكر في الآية التي قبلها من تسلية الرَّسول صلى الله عليه وسلم، وهو أنَّه أخبر النَّبيّ صلى الله عليه وسلم بأخبار الأنبياء المتقدّمين، وأقوال أُممهم لهم، كسؤال قوم موسى:أَرِنَا ٱللهِ جَهْرَةً } [النساء:153]، وقولهم:ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً كَمَا لَهُمْ ءَالِهَةٌ } [الأعراف:138]. وكقوم عيسى بعد مشاهدة إحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص بإذن الله، فكذبوه، وراموا قلته، ثم أقام فريقٌ منهم على الكفر به، وهم اليهود، وزعم فريقٌ منهم أنَّهم أولياؤه، وكالملأ من بني إسرائيل الذين حسدوا طالوت، ودفعوا ملكه بعد المسألة، وكذلك ما جرى من أمر النهر، فذكر ذلك كلَّه تسلية للرَّسول صلى الله عليه وسلم عمّا رأى من قومه من التّكذيب والحسد، فقال: هؤلاء الرُّسل الذين كلَّم الله بعضهم، ورفع الباقين درجات، وأيّد عيسى بروح القدس، قد نالهم من قومهم ما ذكرناه لك من مشاهدة المعجزات، فلا يحزنك ما ترى من قومك، فلو شاء الله لم يختلف أمم أولئك، ولكن ما قضى الله فهو كائن، وما قدَّره، فهو واقع.

فصل

في المراد من تلك الرُّسل أقوال:

أحدها: أنَّ المراد من تقدم ذكرهم من الأنبياء في القرآن كإبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، وموسى وغيرهم - صلوات الله عليهم -.

الثاني: أنَّ المراد من تقدّم ذكرهم في هذه الآية كأشمويل، وداود، وطالوت على قول من يجعله نبيّاً.

الثالث: قال الأصمُّ: المراد منه الرُّسل الذين أرسلهم الله لدفع الفساد، وأشار إليهم بقوله:وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ ٱلأَرْضُ } قوله تعالى: { فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ }: يجوز أن يكون حالاً من المشار إليه، والعامل معنى الإشارة كما تقدَّم، وقال " تلك " ولم يقل أولئك الرُّسل؛ لأنه ذهب إلى معنى الجماعة كأنه قيل: تلك الجماعة، ويجوز أن يكون مستأنفاً، ويجوز أن يكون خبر " تِلْكَ " على أن يكون " الرُّسل " نعتاً لـ " تِلْكَ " ، أو عطف بيان أو بدلاً.

فصل في تفاضل الأنبياء

أجمعت الأمَّة على أنَّ الأنبياء بعضهم أفضل من بعضٍ، وأنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم أفضل من الكلِّ، ويدلُّ على ذلك وجوه:

الأول: قوله تعالى:وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } [الأنبياء:107] فلما كان رحمة للعالمين، لزم أن يكون أفضل من كلِّ العالمين.

الثاني: قوله:وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } [الشرح:4] قيل فيه لأنه قَرَنَ ذكره بذكره في الشَّهادتين والأذان، والتّشهد، ولم يكن ذلك لسائر الأنبياء.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9