الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ وَٱلْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَآءُ وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ ٱلأَرْضُ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ }

" الهَزْمُ ": أصله الكسر، يقال " سِقَاءٌ مَتَهزِّم " إذا انشق و " قَصَبٌ مُتَهَزِّمٌ " ، أي متكسِّر.

والهزمة: نقرة في الجبل، أو في الصَّخرة. قال سفيان بن عيينة في زمزم: وهي هزمة جبريل، يريد هزمها برجله فخرج الماء. ويقال: سمعت هزيمة الرعد كأنَّه صوت تشقُّقٍ. ويقال للسَّحاب هزيم؛ لأنَّه ينشق بالمطر.

قوله: " بِإِذْنِ ٱللهِ " فيه الوجهان المتقدِّمان أعني كونه حالاً، أو مفعولاً به.

فصل

أخبر تعالى أنَّ تلك الهزيمة كانت بإذن الله تعالى وإعانته وتيسيره، ثم قال: { وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ }.

قال القرطبيُّ: وكان جالوت رأس العمالقة وملكهم، ظلُّه ميل ويقال: إنَّ البربر من نسله.

قال ابن عبَّاس: إنَّ داود - عليه الصَّلاة والسَّلام - كان راعياً، له سبعة إخوة مع طالوت، فلما أبطأ خبر إخوته على أبيهم " إِيشَا "؛ أرسل إليهم داود ليأتيه بخبرهم، فأتاهم وهم في المصاف وبدر جالوت الجياد إلى البراز، وكان من قوم عاد، فقال داود لإخوته: أما فيكم من يخرج إلى هذا الأقلف؟ فسكتوا فذهب إلى ناحية أخرى من الصف ليس فيها إخوته فمر به طالوت، وهو يحرض الناس.

فقال له داود: ما تصنعون بمن يقتل هذا الأقلف؟

فقال طالوت: أنكحه ابنتي، وأعطيه نصف ملكي، فقال داود: فأنا أخرج إليه؛ وكانت عادته أنه يقاتل الأسد والذِّيب بالمقلاع في المرعى، وكان طالوت عارفاً بجلادته، فلما همَّ داود بالخروج إلى جالوت، مرّ بثلاثة أحجار فقلن: يا داود، خذنا معك ففينا منيَّة جالوت، ثمَّ لما خرج إلى جالوت، رماه، فأصابه في صدره ونفذ الحجر فيه، وقتل بعده ناساً كثيرة، فهزم الله جنود جالوت، وقتل داود جالوت وهو داود بن إيشى بكسر الهمزة. وقيل داود بن زكريَّا بن مرشوى من سبط يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم - عليه الصَّلاة والسَّلام - وكان من أهل بيت المقدس، فحسده طالوت، وأخرجه من مملكته، ولم يف له بوعده، ثم ندم على صنعه، فذهب يطلبه إلى أن قتل، وملك داود، وحصلت له النُّبوَّة، وهو المراد من قوله: { وَآتَاهُ ٱللهُ ٱلْمُلْكَ وَٱلْحِكْمَةَ } هو العلم مع العمل والحكمة: هي وضع الأمور موضعها على الصَّواب، والصَّلاح.

قوله: { وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَآءُ... }.

قال الكلبيُّ وغيره: " صنعة الدُّرُوعِ ".

قال تعالى:وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ أَنِ ٱعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي ٱلسَّرْدِ } [سبأ:10-11] وقيل: منطق الطَّير والنّمل، وقيل الزّبور، وعلم الدّين، وكيفية الحكم، والفصل.

قال تعالى:وَكُلاًّ ءَاتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً } [الأنبياء:79].

وقيل: الألحان الطَّيِّبة. قيل كان إذا قرأ الزَّبور؛ تدنو الوحوش حتى يؤخذ بأعناقها، وتظله الطّير مصغية له، ويركد الماء الجاري، وتسكن الرّيح.

وروى الضَّحَّاك عن ابن عباس: هو أنَّ الله تعالى أعطاه سلسلةً موصولة بالمجرّة، ورأسها عند صومعته، وقوّتها قوّة الحديد، ولونها لون النّار وحلقها مستديرة مفصلة بالجواهر، مدسَّرة بقضبان اللُّؤلؤ الرطب، فلا يحدث في الهواء حدث إلاّ صلصلت السلسلة، فيعلم داود ذلك الحدث، ولا يمسُّها ذو عاهة إلاَّ برأ، فكانوا يتحاكمون إليها بعد داود إلى أن رفعت فمن تعدَّى على صاحبه، وأنكر حقه أتى إلى السِّلسلة، فمن كان صادقاً مدّ يده إلى السِّلسلة، فنالها، ومن كان كاذباً، لم ينلها، وكانت كذلك إلى أن ظهر فيهم المكر والخديعة، فبلغنا أن بعض ملوكهم أودع رجلاً جوهرة ثمينة، فلما استردَّها أنكرها فتحاكما إلى السلسلة فعمد الذي عنده الجوهرة إلى عكَّازه، فنقرها وضمنها الجوهرة، واعتمد عليها حتى حضروا السلسلة، فقال صاحب الجوهرة: ردَّ عليَّ الوديعة.

السابقالتالي
2 3 4 5