الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوۤاْ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ ٱلْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِٱلْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ ٱلْمَالِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي ٱلْعِلْمِ وَٱلْجِسْمِ وَٱللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }

قوله تعالى: { طَالُوتَ مَلِكاً }: " مَلِكاً " حال من " طالوت " فالعامل في الحال " بَعَثَ ". و " طالوتُ " فيه قولان:

أظهرهما: أنه اسمٌ أعجميٌّ فلذلك لم ينصرف للعلتين، أعني: العلمية والعجمة الشَّخصية.

والثاني: أنه مشتقٌّ من الطول، ووزنه فعلوت كرهبوت ورحموت، وأصله طولوت، فقلبت الواو ألفاً؛ لتحركها وانفتاح ما قبلها، وكأن الحامل لهذا القائل بهذا القول ما روي في القصَّة أنه كان أطول رجلٍ في زمانه وبقوله " وزاده بسطة في العلم والجسم " إلا أنَّ هذا القول مردودٌ بأن لو كان مشتقاً من الطُّول، لكان ينبغي أن ينصرف، إذ ليس فيه إلاَّ العلمية. وقد أجابوا عن هذا بأنه وإن لم يكن أعجمياً لكنَّه شبيه بالأعجمي، من حيث إنَّه ليس في أبنية العرب ما هو على هذه الصِّيغة، وهذا كما قالوا في حمدون، وسراويل، ويعقوب، وإسحاق عند من جعلهما من سحق وعقب وقد تقدم.

وأجاب آخرون: بأنه اسمٌ عبراني وافق عربيّاً مثل حطة وحنطة، وعلى هذا يكون أحد سببيه العجمة؛ لكونه عبرانياً.

قوله: { أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ ٱلْمُلْكُ عَلَيْنَا } في " أَنَّى " وجهان:

أحدهما: أنَّها بمعنى كيف، وهذا هو الصَّحيح.

والثاني: أنها بمعنى من أين، اختاره أبو البقاء، وليس المعنى عليه. ومحلُّها النّصب على الحال، وسيأتي الكلام في عاملها ما هو. و " يَكُونُ " فيها وجهان:

أحدهما: أنها تامَّةٌ، و " المُلْكُ " فاعلٌ بها و " له " متعلّقٌ [بها، و " عَلَيْنَا " متعلقٌ] بالملك، تقول: " فلان مَلَك على بني فلان أمرهم " ، فتتعدى هذه المادة بـ " على " ، ويجوز أن تتعلَّق بمحذوفٍ على أنه حالٌ من " المُلْك " ، و " يَكُونُ " هي العاملة في " أنَّى " ، ولا يجوز أن يعمل فيها أحد الظَّرفين، أعني " له " ، و " علينا "؛ لأنه عاملٌ معنوي والعامل المعنويُّ لا تتقدَّم عليه الحال على المشهور.

والثاني: أنها ناقصةٌ، و " له " الخبر، و " علينا " متعلِّقٌ: إمَّا بما تعلَّق به هذا الخبر، أو بمحذوفٍ على أنه حالٌ من " المُلك " كما تقدَّم، والعامل في هذه الحال " يكون " عند من يجيز في " كَانَ " الناقصة أن تعمل في الظرف وشبهه، وإمَّا بنفس الملك كما تقدَّم تقريره، والعامل في " أنَّى " ما تعلَّق به الخبر أيضاً، ويجوز أن يكون " عَلَيْنَا " هو الخبر، و " لَهُ " نصبٌ على الحال، والعامل فيه الاستقرار المتعلِّق به الخبر، كما تقدَّم تقريره، أو " يَكُونُ " عند من يجيز ذلك في الناقصة، ولم أر من جوَّز أن تكون " أنى " في محلِّ نصب خبراً لـ " يَكُونُ " بمعنى " كَيْفَ يَكُونُ المُلْكُ عَلَيْنَا لَهُ " ولو قيل به لم يمتنع معنًى ولا صناعةً.

السابقالتالي
2 3 4