الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَّتَاعاً إِلَى ٱلْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيۤ أَنْفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

قرأ ابن كثير، ونافع، والكسائي، وأبو بكرٍ، عن عاصم: " وَصِيَّةٌ " بالرفع والباقون: بالنصب. وفي رفع { ٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ } ثمانية أوجهٍ، خمسةٌ منها على قراءة من رفع " وَصِيَّةً " ، وثلاثةٌ على قراءة من نصب " وصيةٌ "؛ فأوّل الخمسة، أنه مبتدأ، و " وَصِيَّةٌ " مبتدأ ثانٍ، وسوَّغ الابتداء بها كونها موصوفة تقديراً؛ إذ التقدير: " وَصِيَّةٌ مِنَ اللهِ " أو " مِنْهُمْ "؛ على حسب الخلاف فيها: أهي واجبةٌ من الله تعالى، أو مندوبةٌ للأزواج؟ و " لأَزْوَاجِهِمْ " خبر المبتدأ الثاني، فيتعلَّق بمحذوفٍ، والمبتدأ الثاني وخبره خبر الأول، وفي هذه الجملة ضمير الأول، وهذه نظير قولهم: " السَّمْنُ مَنَوَانِ بِدِرْهَمٍ " تقديره: " مَنَوَانِ مِنْهُ " ، وجعل ابن عطية المسوِّغ للابتداء بها كونها في موضع تخصيص؛ قال: " كما حَسُنَ أَنْ يرتفع: " سَلاَمٌ عَلَيْكَ " و " خَيْرٌ بَيْنَ يَدَيْكَ "؛ لأنها موضع دعاءٍ " قال شهاب الدين: وفيه نظرٌ.

الثاني: أن تكون " وَصِيَّةٌ " مبتدأ، و " لأَزْوَاجِهِمْ " صفتها، والخبر محذوفٌ، تقديره: فعليهم وصيةٌ لأزواجهم، والجملة خبر الأوَّل.

الثالث: أنها مرفوعة بفعل محذوفٍ، تقديره: كتب عليهم وصيَّةٌ و " لأَزْوَاجِهِمْ " صفةٌ، والجملة خبر الأول أيضاً؛ ويؤيِّد هذا قراءة عبد الله: " كُتِبَ عَلَيْهِمْ وَصِيَّةٌ " وهذا من تفسير المعنى، لا الإعراب؛ إذ ليس هذا من المواضع التي يضمر فيها الفعل.

الرابع: أن " الَّذِينَ " مبتدأٌ، على حذف مضافٍ من الأول، تقديره: ووصيَّةُ الذين.

الخامس: أنه كذلك إلا أنه على حذف مضافٍ من الثاني، تقديره: " وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ أَهْلُ وَصيَّةٍ " ذكر هذين الوجهين الزمخشريُّ، قال أبو حيان: " ولا ضرورة تدعونا إلى ذلك ".

فهذه الخمسة الأولى التي على رفع " وَصِيَّةٌ ". وأمَّا الثلاثة التي على قراءة النصب في " وَصِيَّةٌ ":

فأحدها: أنه فاعل فعل محذوفٍ، تقديره: وليوص الذين، ويكون نصب " وَصِيَّةٌ " على المصدر.

الثاني: أنه مرفوع بفعل مبني للمفعول يتعدَّى لاثنين، تقديره: " وأُلْزِمَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ " ويكون نصب " وَصِيَّةً " على أنها مفعولٌ ثانٍ لـ " أُلْزِمَ " ، ذكره الزمخشريُّ، وهو والذي قبله ضعيفان؛ لأنه ليس من مواضع إضمار الفعل.

الثالث: أنه مبتدأٌ، وخبره محذوف، وهو الناصب لوصية، تقديره: والذين يتوفون يوصون وصيَّة، وقدره ابن عطية: " لِيُوصُوا " و " وَصِيَّةً " منصوبةٌ على المصدر أيضاً، وفي حرف عبد الله: " الوَصِيَّةُ " رفعاً بالابتداء، والخبر الجارُّ بعدها، أو مضمرٌ أي: فعليهم الوصية، والجارُّ بعدها حالٌ، أو خبرٌ ثانٍ، أو بيانٌ.

السابقالتالي
2 3 4 5