الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَاْ ٱلَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ ٱلنِّكَاحِ وَأَن تَعْفُوۤاْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَنسَوُاْ ٱلْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

هذه الآية في المطلَّقة قبل المسيس المفروض لها؛ فبيَّن أنَّ لها نصف ما فرض لها.

واختلف أهل العلم في الخلوة، فقال الشَّافعيُّ: إنها تقرر نصف المهر.

وقال أبو حنيفة: الخلوة الصَّحيحة: أن يخلو بها، وليس هناك مانعٌ حسي، ولا شرعيٍّ، فالحسِّي: كالرَّتق، والقرن والمرض أو معهما ثالثٌ.

والشرعي: كالحيض، والنُّفاس، وصوم الفرض، وصلاة الفرض، والإحرام المطلق؛ فرضاً كان، أو نفلاً.

واحتجَّ الشَّافعيُّ: بأن الطلاق قبل المسيس يوجب سقوط نصف المهر؛ لأن قوله تعالى: { فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } ليس كلاماً تاماً، بل لا بدَّ من إضمار، [شيءٍ، ليتم] الكلام، فإمَّا أن يضمر: " فنصفُ مَا فَرضْتُمْ سَاقِطٌ " ، أو يضمر: " فنصفُ مَا فَرَضْتُمْ ثَابِتٌ " ، والإضمار الأوّل هو المقصود؛ لوجوه:

أحدها: أنّ المعلّق على الشَّيء بكلمة " إِنْ " عدمٌ عند عدم ذلك الشيء ظاهراً؛ فلو حملناه على الوجوب، تركنا العلم بمقتضى التعليق، لأنّه غير منفي قبله، وإذا حملناه على السقوط، عملنا بمقتضى التَّعليق؛ لأنه منفيٌّ قبله.

وثانيها: أنَّ قوله تعالى: { وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً } يقتضي وجوب كلِّ المهر عليه، لأنه لمّا التزم كلَّ المهر، لزمه الكلُّ بقوله تعالى:أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ } [المائدة:1] فلا حاجة إلى بيان ثبوت النصف، وإنَّما المحتاج إليه بيان سقوط النصف؛ لأن المقتضي لوجوب الكل قائمٌ، فكان سقوط البعض هاهنا، هو المحتاج إلى البيان، فكان حمل الآية على بيان السقوط، أولى من حملها على بيان الوجوب.

وثالثها: أن الآية الدَّالة على وجوب إيتاء المهر، قد تقدمت في قوله:وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّآ آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً } [البقرة:229] فحمل الآية على سقوط النِّصف أولى.

ورابعها: أن المذكور في هذه الآية، هو الطلاق قبل المسيس، وهو يناسب سقوط نصف المهر، ولا يناسب وجوب شيءٍ، فلمّا كان إضمار السقوط أولى، لا جرم استقصينا هذه الوجوه؛ لأن منهم من قال: معنى الآية: فنصف ما فرضتم واجبٌ، وتخصيص النصف بالوجوب، لا يدلُّ على سقوط الآخر، إلاّ من حيث دليل الخطاب، وهو عند أبي حنيفة ليس بحجَّة. وقد ذكرنا هذه الوجوه؛ دفعاً لهذا السؤال.

واستدلَّ أبو حنيفة بقوله تعالى:وَءَاتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً } [النساء:20] إلى قوله:وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ } [النساء:21] فنهى تعالى عن أخذ المهر، ولم يفرّق بين الطلاق، وعدم الطَّلاق، إلاَّ إن توافقنا على تخصيص الطلاق قبل الخلوة فمن ادّعى التخصيص - هاهنا - فعليه البيان، وأيضاً فإنّه تعالى نهى عن أخذ المهر، وعلَّل بعلَّة الإفضاء، وهي الخلوة، لأنَّ الإفضاء: مشتقٌّ من الفضاء، وهو المكان الخالي فعلمنا أنَّ الخلوة تقرِّر المهر.

والجواب عن ذلك: بأن دليلهم عامٌّ، ودليلنا خاصٌّ، والخاصُّ مقدَّمٌ على العامِّ.

قوله تعالى: { وَقَدْ فَرَضْتُمْ }: هذه الجملة في موضع نصب على الحال، وذو الحال يجوز أن يكون ضمير الفاعل، وأن يكون ضمير المفعول؛ لأنَّ الرباط موجودٌ فيهما، والتقدير: وإن طلقتموهن فارضين لهن، أو مفروضاً لهنَّ، و " فَرِيضَة " فيها الوجهان المتقدمان.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7