الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى ٱلْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى ٱلْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِٱلْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ }

قوله: " مَا لَمْ " فى " مَا " ثلاثة أقوالٍ:

أظهرها: أن تكون مصدريةً ظرفيةً، تقديره: مدَّة عدم المسيس، كقوله تعالى:خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَاتُ وَٱلأَرْضُ } [هود:107] وقوله:وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ } [المائدة:117].

وقول الآخر: [الكامل]
1143- إِنِّي بِحَبْلِكَ وَاصِلٌ حَبْلِي   وَبِرِيشِ نَبْلِكَ رَائِشٌ نَبْلِي
مَا لَمْ أَجِدْكَ عَلَى هُدَى أَثَرٍ   يَقْرُو مَقَصَّكَ قَائِفٌ قَبْلِي
والثاني: أن تكون شرطيةً، بمعنى " إِنْ " نقله أبو البقاء. وليس بظاهرٍ؛ لأنه يكون حينئذٍ من باب اعتراض الشرط على الشرط، فيكون الثانى قيداً فى الأول؛ نحو: " إِنْ تَأْتِ إِنْ تُحْسِنْ إِلَيَّ أُكْرِمْكَ " أي: إن أتيت محسناً، وكذا فى الآية الكريمة: إن طلَّقتموهنَّ غير ماسِّين لهنَّ، بل الظاهر: أنَّ هذا القائل إنما أراد تفسير المعنى؛ لأنَّ " مَا " الظرفية مشبَّهة بالشرطيَّة، ولذلك تقتضي التعميم.

والثالث: أن تكون موصولة بمعنى " الَّذِي " ، وتكون للنساء؛ كأنه قيل: إن طلَّقتم النِّساء اللاَّئى لم تمسُّوهنَّ، وهو ضعيفٌ، لأنَّ " مَا " الموصولة لا يوصف بها، وإن كان يوصف بـ " الَّذِي " ، و " الَّتي " ، وفروعهما.

وقرأ الجمهور: " تَمَسُّوهُنَّ " ثلاثيّاً وهى واضحةٌ؛ لأن الغشيان من فعل الرجل؛ قال تعالى حكاية عن مريموَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ } [مريم:20]. وقرأ حمزة والكسائيُّ فى الأحزاب " تُمَاسُّوهُنَّ " من المفاعلة، فيحتمل أن يكون " فَاعَلَ " بمعنى " فَعَلَ " كـ " سَافَرَ " ، فتوافق الأولى، ويحتمل أن تكون على بابها من المشاركة؛ كما قال تعالى:مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا } [المجادلة:3]، وأيضاً: فإنَّ الفعل من الرجل والتمكين من المرأة، ولذلك قيل لها زانيةٌ، ورجَّح الفارسيّ قراءة الجمهور؛ بأنَّ أفعال هذا الباب كلَّها ثلاثيّةٌ؛ نحو: نَكَحَ، فَرَعَ، سَفَدَ، وضَرَبَ الفَحْلُ.

قال تعالى:لَمْ يَطْمِثْهُنَّ } [الرحمن:74]، وقال:فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ } [النساء:25]، وأمّا قوله فى الظّهار:مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا } [المجادلة:3] فالمراد به المماسَّة التى هي غير الجماع، وهي حرام فى الظهار.

قوله: " أَوْ تَفْرِضُواْ " فيه أربعة أوجهٍ:

أحدها: أنه مجزوم عطفاً على " تَمَسُّوهُنَّ " ، و " أَوْ " على بابها من كونها لأحد الشيئين، قاله ابن عطيَّة.

والثاني: أنه منصوب بإضمار " أَنْ " عطفاً على مصدر متوهَّم، و " أَوْ " بمعنى " إِلاَّ " ، التقدير: ما لم تَمَسُّوهُنَّ إلا أن تفرضوا؛ كقولهم: " لأَلْزَمَنَّكَ أَوْ تَقْضِيَني حَقِّي " قاله الزمخشريُّ.

والثالث: أنه معطوف على جملةٍ محذوفةٍ، تقديره: " فَرَضْتُمْ أَوْ لَم تَفْرِضُوا " ، فيكون هذا من باب حذف الجزم وإبقاء عمله، وهو ضعيفٌ جدًّا، وكأنَّ الذي حسَّن هذا كون لفظ " لَمْ " موجوداً قبل ذلك.

والرابع: أن تكون " أَوْ " بمعنى الواو.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7