الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُمْ بِٱلْمَعْرُوفِ ذٰلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ ذٰلِكُمْ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }

الكلامُ في صدرِ هذه الآية كالتي قبلها، إلاَّ أنَّ الخِطابَ في: " طَلَّقتم " للأزواجِ، وفي: " فَلاَ تعضُلُوهُنَّ " للأولياء؛ لأنه يروَى في سبب نُزُولِ هذه الآيةِ وجهان:

الأول: أَنَّ معقل بن يسار زوَّج أخته جميل بن عبد الله بن عاصمٍ، وقيل: كانت تحت أبي الدَّحْدَاحِ عاصم بن عدي بن عجلان فطلقها، ثم تركها حتى انقضَتْ عدَّتها، ثم ندم؛ فجاء يخطبُها، فقال: زوجتُك، وفرشتُك، وأكرمتُك؛ فطلقتها ثم جئت تخطِبُها؟! لا والله، لا تعود إليك أبداً، وكانت المرأةُ تُرِيدُ أَنْ ترجع إليه، فقال لها معقل: إنه طلَّقكِ ثُمَّ تريدين مراجعته؟ وجهي مِنْ وَجْهِك حرامٌ، إنْ راجعته؛ فأنزل اللهُ هذه الآيةَ، فدعا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - معقل بن يسار، وتلا عليه الآيةَ، فقال: رغم أنْفِي لأَمْرِ رِبِّي، اللَّهُمّ رضيتُ، وسلّمْتُ لأَمْرك، وأَنكح أُخْتَه زوْجَها.

الثاني: روَى مجاهد، والسدي: أَنَّ جابر بن عبد الله، كانت له ابنةُ عَمٍّ فطلقها زَوْجُها، وأراد رجعتها بعد العِدّة؛ فأَبَى جابر؛ فأنزل اللهُ - تعالى - هذه الآيةَ، وكان جابرٌ يقولَ: فِيَّ نزلت هذه الآيةُ.

وقيل: الخطابُ فيهما للأزواج، ونُسِبَ العَضْلُ إليهم؛ لأنهم كذلك كانوا يفعلون، يُطَلِّقُونَ، ويأْبَونَ أن تتزوج المرأَةُ بعدَهم؛ ظلماً وقهراً.

قوله: " أَزْوَاجَهُنَّ " مجازٌ؛ لأنه إذا أُريد به المطلِّقون، فتسميتُهم بذلك اعتباراً بما كانوا عليه، وإن أُريد بهم غيرُهم مِمَّن يُرِدْنَ تزويجهم فباعتبار ما يؤولون إليه. قال ابن الخطيب: وهذا هو المختارُ؛ لأن قوله: { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ } شرطٌ، والجزاءُ قوله: " فلا تَعْضُلُوهُنَّ " والشرطُ خطابٌ مع الأزواجِ، فيكون الجزاءُ خِطَاباً معهم أيضاً؛ لأنه لو لم يكن كذلك، لصار تقديرُ الآيةِ: إذا طلقتم النساء أَيُّها الأزواج، فلا تعضُلُوهُنَّ أيها الأولياءُ، وحينئذٍ لا يكونُ بين الشرطِ والجزاءِ مناسبةٌ أصلاً، وذلك يُوجِبُ تفكيك نظم الآيةِ، وتنزيه كلام اللهِ ـ عز وجل ـ عن مثل هذا، واجبٌ. ثم يتأكدُ بوجهين آخرين:

الأول: أَنَّه من أَوَّل آية الطَّلاق إلى هذا الموضع، خطابٌ مع الأزواجِ، ولم يجرِ للأولياءِ ذِكْرٌ أَلْبَتَّة، وصرفُ الخِطَابِ إلى الأَولياءِ خِلاَفُ النَّظْمِ.

الثاني: أَنَّ ما قبل هذه الآيةِ خطابٌ مع الأَزواجِ في كيفيةِ مُعاملتهم مع النساءِ بعد انقضاءِ العِدَّة، فكان صَرْفُ الخِطابِ إلى الأزواجِ، أولى؛ لأنه تَرتيبٌ حَسَنٌ لَطِيفٌ.

واستدلَّ الأولُونَ بما تقدَّمَ مِنْ سَبب النزولِ.

ويمكِنُ الجوابُ عنه من وجهين:

الأول: أَنَّ المحافظة على نظمِ كَلاَمِ الله - تعالى -، أَوْلى من المحافظة على خبر الواحِدِ.

الثاني: أَنَّ الرَّوايتين في سبب النزولِ تَعَارَضَتَا؛ فَرُوِيَ أَنَّ معقل كان يقولُ: فِيّ نزلت هذه الآية، وجابرٌ كان يقولُ فيّ نزلت، وإذا تعارضت الروايتان تساقطتا فبقي ما ذكرناه من التَّمَسك بنظم كَلاَمِ الله ـ تعالى ـ سليماً عن المعارِضِ، وفي هذه الاستدلالِ نظرٌ، ولا تعارُضَ بين الخبرين؛ لأن مدلولَهُمَا واحدٌ.

السابقالتالي
2 3 4 5