الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُوۤاْ آيَاتِ ٱللَّهِ هُزُواً وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَآ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ ٱلْكِتَابِ وَٱلْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

قوله تعالى: " وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ": شرطٌ، جوابه " فَأَمْسِكُوهُنَّ " ، وقوله: " فَبَلَغْنَ " عطفٌ على فعل الشرط، والبلوغ: الوصول إلى الشيء: بلغه يبلغه بلوغاً؛ قال امرؤ القيس: [الطويل]
1115- وَمَجْرٍ كَغُلاَّنِ الأُنَيْعِمِ بالِغٍ   دِيَارَ العَدُوِّ ذِي زُهَاءٍ وَأَرْكَانِ
ومنه: البلغة، والبلاغ: اسم لما يتبلَّغ به.

قوله تعالى: " بمعروفٍ " في محلِّ نصبٍ على الحال، وصاحبها: إمَّا الفاعل أي: مصاحبين للمعروف، أو المفعول، أي: مصاحباتٍ للمعروف.

قوله: " ضِرَاراً " فيه وجهان:

أظهرهما: أنه مفعول من أجله، أي: لأجل الضِّرار.

والثاني: أنه مصدرٌ في موضع الحال، أي: حال كونكم مضارِّين لهنَّ.

قوله: " لِّتَعْتَدُواْ " هذه لام العلّة، أي: لا تضارُّوهنَّ على قصد الاعتداء عليهن، فحينئذٍ تصيرون عصاةً لله تعالى، وتكونوا معتدين؛ لقصدكم تلك المعصية.

وأجاز أبو البقاء: أن تكون لام العاقبة، أي: الصيرورة، كقوله:فَٱلْتَقَطَهُ ءَالُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } [القصص:8]، وفي متعلقها وجهان:

أحدهما: أنه " لاَ تُمْسِكُوهُنَّ ".

والثاني: أنه المصدرُ، إنْ قلنا: إنه حالٌ، وإنْ قُلْنَا: إنه مفعولٌ من أجله، تعلَّقت به فقط؛ وتكون علةً للعلة؛ كما تقول: " ضربتُ ابني؛ تأديباً؛ لينتفع " ، فالتأديب علةٌ للضرب، والانتفاع علةٌ للتأديب، ولا يجوز أن تتعلَّق - والحالة هذه - بـ " لا تُمْسِكُوهُنَّ ".

و " تَعْتَدُوا " منصوبٌ بإضمار " أنْ " وهي وما بعدها في محلِّ جر بهذه اللام، كما تقدَّم تقريره، وأصل " تَعْتَدُوا ": تَعْتَدِيُوا، فأُعِلَّ كنظائره.

قوله: { وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ } أدغم أبو الحارث، عن الكسائي، اللام في الذال، إذا كان الفعل مجزوماً كهذه الآية، وهي في سبعة مواضع في القرآن: { وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } [البقرة:331] في موضعين،وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ ٱللهِ فِي شَيْءٍ } [آل عمران:28]،وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً } [النساء:30]،وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ ٱبْتَغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللهِ } [النساء:114]،وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثَاماً } [الفرقان:68]،وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } [المنافقون:9]. وجاز لتقارب مخرجيهما، واشتراكهما في: الانفتاح، والاستفال، والجهر.

وتحرَّز من غير المجزوم نحو: يفعل ذلك. وقد طعن قومٌ على هذه الرواية، فقالوا: لا تصحُّ عن الكسائي؛ لأنها تخالف أصوله، وهذا غير صواب.

فصل في سبب النزول

هذه الآية نزلت في رجلٍ من الأنصار يدعى: ثابت بن يسارٍ، طلّق امرأته، حتى إذا قارب انقضاء عدّتها، راجعها، ثمَّ طلَّقها؛ يقصد مضارَّتها.

فإن قيل: ذكر هذه الآية بعد قوله:ٱلطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } [البقرة:229] تكريرٌ لكلامٍ واحدٍ، في موضوعٍ واحدٍ، من غير زيادة فائدةٍ، وهو لا يجوز؟!

فالجواب: أمَّا على قول أصحاب أبي حنيفة، فالسؤال ساقطٌ عنهم؛ لأنهم حملوا قوله تعالى:ٱلطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ }

السابقالتالي
2 3 4