الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ أَن يَتَرَاجَعَآ إِن ظَنَّآ أَن يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }

أي: من بعد الطلاق الثالث، فلمَّا قطعت " بعدُ " عن الإضافة بنيت على الضَّمِّ؛ لما تقدَّم تقريره. و " له " و " مِنْ بعد " ، و " حتى " ثلاثتها متعلقةٌ بـ " يَحِلُّ ". ومعنى " مِنْ ": ابتداء الغاية، واللام للتَّبليغ، وحتَّى للتعليل، كذا قال أبو حيَّان، قال شهاب الدِّين: والظَّاهر أنها للغاية؛ لأنَّ المعنى على ذلك، أي: يمتدُّ عدم التحليل له إلى أن تنكح زوجاً غيره، فإذا طلَّقها وانقضت عدَّتها منه حلَّت للأول المطلِّق ثلاثاً، ويدلُّ على هذا الحذف فحوى الكلام.

و " غيرَه " صفةٌ لـ " زوجاً " ، وإن كان نكرةً، لأنَّ " غَيْرَ " وأخواتِها لا تتعرَّف بالإضافة؛ لكونها في قوَّة اسم الفاعل العامل.

و " زَوْجاً " هل هو للتقييد أو للتوطئة؟ وينبني على ذلك فائدةٌ، وهي أنه إن كان للتقييد: فلو كانت المرأة أمةً، وطلَّقها زوجها، ووطئها سيِّدها، لم تحلَّ للأول؛ لأنه ليس بزوجٍ، وإن كانت للتوطئة حلَّت؛ لأنَّ ذكر الزوج كالملغى، كأنه قيل: حتى تنكح غيره، وإنَّما أتى بلفظ " زَوْج "؛ لأنه الغالبُ.

فإن قيل: ما الحكمة في إسناد النِّكاح إلى المرأة دون الرجل فقال { حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجاً }؟

فالجواب: فيه فائدتان:

إحداهما: ليفيد أنَّ المقصود من هذا النكاح الوطء، لا مجرَّد العقد؛ لأن المرأة لا تعقد عقد النكاح، بخلاف الرجل؛ فإنه يطلِّق عند العقد.

الثانية: لأنَّه أفصح، لكونه أوجز.

فإن قيل: فقد أُسند النِّكاح إلى المرأة في قوله ـ عليه الصَّلاة والسَّلام ـ: " أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ " وإنما أراد العقد.

فالجواب: أن هذا يدلُّ لنا؛ لأنَّ جَعْلَ إسناد النكاح إلى المرأة، والمراد به العقد، يكون باطلاً، وكلامنا في إسناد النِّكاح الصَّحيح.

قال أهل اللُّغة: النكاح في اللغة: هو الضَّمُّ والجمع، يقال: تَنَاكَحَتِ الأشْجَارُ، إذا انضم بعضها إلى بعضٍ.

فصل

الذين قالوا: بأن التسريح بالإحسان هو الطَّلقة الثالثة، قالوا: إنَّ قوله: { فَإِنْ طَلَّقَهَا } تفسيرٌ للتسريح بالإحسان.

واعلم أن للزَّوج مع المرأة بعد الطلقة الثانية ثلاثة أحوالٍ:

إمَّا أن يراجعها، وهو المراد بقوله: { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ }.

أو يتركها؛ حتى تنقضي عدَّتها وتبين، وهو المراد بقوله: { أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ }.

والثالث: أنه إذا راجعها، وطلَّقها ثالثةً؛ وهو المراد بقوله: { فَإِنْ طَلَّقَهَا }.

فهذه الأقسام الثلاثة؛ يجب تنزيل الألفاظ الثلاثة عليها؛ ليطابق كلُّ لفظٍ معناه، فأمَّا إن جعلنا التَّسريح بالإحسان، عبارةٌ عن الطَّلقة الثَّالثة، كنَّا قد صرفنا لفظتين إلى معنى واحدٍ؛ على سبيل التِّكرار، وأهملنا القسم الثالث، ومعلومٌ أنَّ الأوَّل أولى، ووقوع الخلع بين هاتين الآيتين، كالأجنبي، ونظم الآية: " الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ، فإن طلَّقها فلا تحل له من بعد حتَّى تنكح زوجاً غيره ".

السابقالتالي
2 3 4 5 6