الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَٰنٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّآ آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا ٱفْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ }

قوله: { ٱلطَّلاَقُ مَرَّتَانِ }: مبتدأٌ وخبرٌ، و " ٱلطَّلاَقُ " يجوز أن يكون مصدر " طَلَقَتِ المَرْأَةُ طَلاَقاً " ، وأن يكون اسم مصدر، وهو التطليقُ؛ كالسَّلام بمعنى التَّسليم، ولا بد من حذف مضافٍ قبل المبتدأ؛ ليكون المبتدأُ عين الخبر، والتقدير: عددُ الطَّلاق المشروع فيه الرَّجعة مرَّتان.

والتثنية في " مَرَّتَانِ " حقيقةٌ يراد بها شفعُ الواحد، وقال الزمخشريُّ: " إنها من باب التثنية الَّتي يراد بها التكرير " وجعلَهَا مثْلَ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَهَذَاذَيْكَ. وردَّ عليه أبو حيَّان بأنَّ ذلك مناقضٌ في الظاهر لما قاله أولاً، وبأنه مخالفٌ للحكم في نفس الأمر، أمَّا المناقضة، فإنه قال: الطَّلاق مَرَّتَان، أي: الطلاقُ الشرعيُّ تطليقةٌ بعد تطليقةٍ على التفريق دون الإرسال دفعةً واحدةً، فقوله هذا ظاهرٌ في التثنية الحقيقيّة، وأمَّا المخالفة، فلأنه لا يراد أن الطلاق المشروع بقع ثلاثَ مراتٍ فأكثر، بل مرتين فقط؛ ويدلُّ عليه قوله بعد ذلك: { فَإِمْسَاكٌ } ، أي: بالرَّجْعَةِ من الطَّلْقَةِ الثانية، " أَو تَسْرِيحٌ " أي: بالطلقة الثالثة؛ ولذلك جاء بعده " فَإِنْ طَلَّقَهَا ". انتهى ما ردَّ به عليه، قال شهاب الدين: والزَّمخشريُّ إنما قال ذلك لأجل معنًى ذكره، فينظر كلامه في " الكَشَّاف "؛ فإنه صحيحٌ.

والألف واللام في " الطَّلاَق " قيل: هي للعهد المدلول عليه بقوله:وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ } [البقرة:228] وقيل: هي للاستغراق، وهذا على قولنا: إن هذه الجملة متقطعةٌ ممَّا قبلها، ولا تعلُّق لها بها.

قوله: " فَإِمْسَاكٌ " في الفاء وجهان:

أحدهما: أنها للتعقيب، أي: بعد أن عرَّف حكم الطلاق الشرعيِّ؛ أنه مرَّتان، فيترتَّب عليه أحد هذين الشيئين.

والثاني: أن تكون جواب شرطٍ مقدَّرٍ، تقديره: فإن أوقع الطَّلقتين، وردَّ الزَّوجة فإمساكٌ.

وارتفاعُ " إِمْسَاكٌ " على أحد ثلاثة أوجهٍ: إمَّا مبتدأ وخبره محذوفٌ متقدِّماً، تقديره عند بعضهم: فَعَلَيْكُمْ إِمْسَاكٌ، وقَدَّرهُ ابن عطية متأخِّراً، تقديره: فإِمْسَاكٌ أَمْثَلُ أَوْ أَحْسَنُ.

والثاني: أن يكون خبر مبتدأ محذوفٍ، أي: فالواجب إمساكٌ.

والثالث: أن يكون فاعل فعلٍ محذوفٍ، أي: فليكن إمساك بمعروفٍ

قوله: " بِمَعْرُوفٍ " و " بِإِحْسَانٍ " في هذه الباء قولان:

أحدهما: أنها متعلِّقة بنفس المصدر الذي يليه، ويكون معناها الإلصاق.

والثاني: أن تتعلَّق بمحذوفٍ على أنها صفة لما قبلها، فتكون في محلِّ رفعٍ، أي: فإسماك كائنٌ بمعروفٍ، أو تسريح كائنٌ بإحسان.

قالوا: ويجوز في العربيَّة نصب " فَإِمْسَاكٌ " ، و " تَسْرِيحٌ " على المصدر، أي: فأمسكوهنَّ إمساكاً بمعروف، أو سرِّحُوهُنَّ تسريحاً بإحسان، إلاَّ أنَّه لم يقرأ به أحدٌ.

والتَّسريح: الإرسال والإطلاق، ومنه قيل للماشية: سَرْحٌ، وناقَةٌ سُرُحٌ، أي: سهلة السَّير؛ لاسترسالها فيه.

وتسريح الشَّعر: تخليص بعضه من بعض، والإمساك خلاف الإطلاق، والمساك والمسكة اسمان منه؛ يقال: إِنَّه لذو مُسكةٍ ومساكة إذا كان بخيلاً.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد