الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنْكِحُواْ ٱلْمُشِرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَى ٱلْجَنَّةِ وَٱلْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }

الجمهور على فتح تاء المضارعة، وقرأ الأعمش بضمِّها من: أنكح الرباعي، فالهمزة فيه للتَّعدية، وعلى هذا فأحد المفعولين محذوفٌ، وهو المفعول الأوَّل؛ لأنه فاعلٌ معنًى تقديره: ولا تنكحوا أنفسكم المشركات.

والنِّكاح في الأصل عند العرب: لزوم الشَّيء، والإكباب عليه؛ ومنه: " نَكَحَ المَطَرُ الأَرْضَ " ، حكاه ثعلبٌ عن أبي زيد، وابن الأعرابي.

قال الزَّجَّاجيُّ: " النّكاح في الكلام بمعنى الوطء، والعقد جميعاً، موضوع (ن. ك. ح) على هذا التَّرتيب في كلامهم للفرد والشَّيء راكباً عليه هذا كلام العرب الصَّحيح ".

أصله المداخلة؛ ومنه: تناكحت الشَّجر: أي: تداخلت أغصانها؛ ويطلق النِّكاح على العقد؛ كقول الأعشى: [الطويل]
1074- وَلاَ تَقْرَبَنَّ جَارَةً إِنَّ سِرَّهَا   حَرَامٌ عَلَيْكَ فَانْكِحَنْ أَوْ تَأَبَّدَا
أي: فاعْقِدْ، أو توحَّش، وتجنَّب النِّساء، ويطلق أيضاً على الوطء؛ كقوله: [البسيط]
1075- البَارِكِينَ عَلَى ظُهُورِ نِسْوَتِهِمْ   والنَّاكِحِينَ بِشَطِّ دَجْلَةَ الْبَقَرَا
وحكى الفرَّاء " نُكُح المَرْأَةِ " بضمِّ النُّون على بناء " القُبُل " ، و " الدُّبُر " ، وهو بضعها، فمعنى قولهم: " نَكَحَها " أي أصاب ذلك الموضع، نحو: كَبَدَهُ، أي أصاب كبده، وقلَّما يقال: ناكحها، كما يقال باضعها.

وقال أبو علي: فَرَّقَتِ العَرَبُ بين العَقْدِ والوَطْءِ بِفَرْقِ لَطِيفٍ، فإذا قالوا: " نَكَحَ فُلاَنٌ فُلاَنَةٌ، أو ابنةَ فلانٍ " ، أرادوا عقد عليها، وإذا قالوا: نَكَحَ امرأته، أو زوجته، فلا يريدون غير المجامعة، وهل إطلاقه عليهما بطريق الحقيقة فيكون من باب الاشتراك، أو بطريق الحقيقة والمجاز؟ الظَّاهر: الثاني: فإنَّ المجاز خيرٌ من الاشتراك، وإذا قيل بالحقيقة، والمجاز فأيهما حقيقة؟ ذهب قوم إلى أنَّه حقيقةٌ في العقد واحتجوا بوجوهٍ:

منها: قوله عليه الصَّلاة والسَّلام: " لاَ نِكَاحَ إلاَّ بِوَلِيٍّ وَشُهُودٍ " ، وقَّف النِّكاح على الوليّ، والشُّهود، والمراد به العقد، وقوله ـ عليه الصلاة والسلام -: " وُلِدْتُ مِنْ نِكَاحٍ، وَلَمْ أَولَدْ مِنْ سِفَاحٍ " فجعل النّكاح، كالمقابل للسِّفاح.

ومعلومٌ أنَّ السِّفاح مشتملٌ على الوطء، فلو كان النِّكاح اسماً للوطء، لا متنع كون النِّكاح مقابلاً للسِّفاح، وقال تعالى:وَأَنْكِحُواْ ٱلأَيَٰمَىٰ مِنْكُمْ وَٱلصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمآئِكُمْ } [النور:32] ولا يمكن حمله إلاَّ على العقد.

وأيضاً قول الأعشى في البيت المتقدِّم لا يحتمل إلاَّ الأمر بالعقد؛ لأنه قال: " ولاَ تَقْرَبَنَّ جَارَةً " يعني مقاربتها على الطَّريق الَّذي يحرُمُ فاعقدْ وتزوَّج، وإلاَّ فتأيَّم، وتجنَّبِ النِّساء.

وقال الرَّاغب: أصْلُ النِّكَاحِ للعقدِ، ثم اسْتُعِيرَ للجِمَاعِ، ومُحَالٌ أن يَكُونَ في الأَصْلِ للجِمَاعِ، ثم استُعِير لِلْعَقْدِ، لأنَّ أَسْمَاءَ الجِمَاعِ كلَّها كِنَايَاتٌ لاستقباحِهم ذِكْرَه؛ كاستقباحهم تَعاطِيَهُ، ومُحالٌ أن يستعيرَ مَنْ لا يَقْصِدُ فُحْشاً اسمَ مَا يَسْتَفْظِعُونَهُ لِمَا يَسْتَحْسِنُونَهُ؛ قال تعالى:فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ } [النساء:3].

وقال آخرون: هو حقيقةٌ في الوطء، واحتجوا بوجوه:

منها قوله تعالى:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9