الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أُوْلـٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ }.

إنَّ واسمها و " أُولَئِكَ " مبتدأ، و " يَرْجُونَ " خبره، والجملة خبر " إِنَّ " ، وهو أحسنُ من كون " أُولَئِكَ " بدلاً من " الّذِين " ، و " يَرْجُون " خبر " إنَّ ". وجيء بهذ الأوصاف الثَّلاثة مترتِّبةً على حسب الواقع، إذ الإيمان أولُ، ثم المهاجرة، ثم الجهاد.

وأفرد الإيمان بموصولٍ وحده؛ لأنَّه أصل الهجرة والجهاد، وجمع الهجرة، والجهاد في موصولٍ واحدٍ، لأنَّهما فرعان عنه، وأتى بخر " إنَّ " اسم إشارة؛ لأنَّه متضمِّنٌ للأوصاف السَّابقة. وتكرير الموصول بالنِّسبة إلى الصِّفات، لا الذَّوات، فإنَّ الذَّوات متَّحدةٌ موصوفةٌ بالأوصاف الثَّلاثة، فهو من باب عطف بعض الصِّفات على بعض، والموصوف واحد. ولا نقول: إنَّ تكرير الموصوف يدلُّ على تغير الذَّوات الموصوفة؛ لأنَّ الواقع كان كذلك. وأتى بـ " يَرْجُونَ "؛ ليدلَّ على التَّجدُّد وأنهم في كلِّ وقتٍ يحدثون رجاءً.

والمهاجرة: مفاعلةٌ من الهجر، وهي الانتقال من أرض إلى أرضٍ، وأصل الهجر التّرك. والمجاهدة مفاعلةٌ من الجهد، وهو استخراج الوسع وبذل المجهود، والإجهاد: بذلُ المجهود في طلب المقصود، والرَّجاء: الطمع.

وقال الرّاغب: هو ظنٌّ يقتضي حصول ما فيه مسرَّةٌ، وقد يطلقُ على الخوف؛ وأنشد: [الطويل]:
1064- إذَا لَسَعَتْهُ النَّحْلُ لَمْ يَرْجُ لَسْعَهَا   وَخَالَفَهَا في بَيْتِ نُوبٍ عَوَاسِلِ
أي: لم يَخَفْ، وقال تعالى:لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا } [يونس:7] أي: لا يخافون، وهل إطلاقه عليه بطريق الحقيقة، أو المجاز؟ فزعم قومٌ أنه حقيقةٌ، ويكون من الاشتراك اللَّفظي، وزعم قومٌ أنه من الأضداد، فهو اشتراكٌ لفظيّ أيضاً. قال ابن عطيَّة: " ولَيْسَ هَذَا بِجيّدٍ " ، يعني: أنَّ الرَّجاء والخوف ليسا بضدَّين إذ يمكن اجتماعهما، ولذلك قال الرَّاغِبُ ـ بعد إنشاده البيت المتقدّم ـ " ووجْهُ [ذلك]: أنَّ الرَّجَاءَ والخوفَ يَتَلاَزَمَانِ " ، وقال ابن عطيَّة: " والرَّجَاءُ أبداً معه خوفٌ، كما أنَّ الخوف معه رَجَاءٌ ". وزعم قومٌ أنه مجازٌ للتلازم الّذي ذكرناه عن الرَّاغب وابن عطيَّة.

وأجاب الجاحظ عن البيت بأنَّ معناه لم يرج برء لسعها وزواله فالرَّجاء على بابه.

وأمَّا قوله:لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا } [يونس:7] أي لا يرجون ثواب لقائنا، فالرَّجاء أيضاً على بابه، قاله ابن عطيَّة.

وقال الأصمعيُّ: " إذا اقترن الرَّجَاء بحرفِ النَّفي، كان بمعنى الخَوْفِ " كهذا البيت والآية.

وفيه نظرٌ إذ النَّفي لا يغيِّر مدلولات الألفاظ.

والرَّجاء مقصود ناحية البئر، وحافَّاته من كل ناحيةٍ، وجاؤوا بقوام من النَّاس يخطُّون في قولهم بأعظم الرَّجَاء، فيقصرون، ولا يمدُّون، وكتبت " رَحْمَة " هنا بالتَّاء: إمَّا جرياً على لغة مَنْ يَقِفُ على تَاءِ التَّأْنِيث بالتَّاء، وإما اعتباراً بحالها في الوصل، وهي في القرآن في سبعة مواضع، كتبتُ في الجميع تاءً، هنا وفي الأعراف:

السابقالتالي
2