الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }

قرئ: " كَتَبَ عَلَيْكُمُ القِتَالَ ": ببناء " كَتَب " للفاعل؛ وهو ضمير الله تعالى، ونصبِ " القِتَالِ ".

قال القرطبي: وقرأ قومٌ: " كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقَتْلُ "؛ قال الشاعر: [الخفيف]
1048 أ - كُتِبَ الْقَتْلُ وَالْقَتَالُ عَلَيْنَا   وَعَلَى الغَانِيَاتِ جَرُّ الذُيُولِ
قوله تعالى: " وَهُوَ كُرْهٌ " هذه واو الحال، والجملة بعدها في محلِّ نصبٍ عليها، والظاهر أنَّ " هو " عائدٌ على القتال. وقيل: يعود على [المصدر] المفهوم من كتب، أي: وكتبه وفرضه. وقرأ الجمهور " كُرْهٌ " بضمِّ الكاف، وهو الكراهية بدليل قوله: { وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً } ثم فيه وجهان:

أحدهما: أنَّ وضع المصدر موضع الوصف سائغٌ كقول الخنساء: [البسيط]
1048ب -.....................   فَإِنَّمَا هِيَ إِقْبَالٌ وَادْبَارُ
والثاني: أن يكون فعلاً بمعنى مفعولٍ، كالخبر بمعنى المخبور وهو مكروهٌ لكم.

وقرأ السُّلميُّ بفتحها. فقيل: هما بمعنًى واحدٍ، أي: مصدران كالضَّعف والضُّعف، قاله الزَّجاج وتبعه الزمخشري.

وقيل: المضمومُ اسمُ مفعولٍ، والمفتوح المصدر.

وقيل: المفتوح بمعنى الإكراه، قاله الزمخشري في توجيه قراءة السُّلميِّ، إلاَّ أنَّ هذا من باب مجيء المصدر على حذف الزوائد، وهو لا ينقاس.

وقيل: المفتوح ما أُكره عليه المرء، والمضموم ما كرهه هو.

فإن كان " الكَرْهُ " ، و " الكُرْهُ " مصدراً، فلا بدَّ من تأويل يجوز معه الإخبار به عن " هو " ، وذلك التأويل: إمَّا على حذف مضافٍ، أي: والقتال ذو كرهٍ، أو على المبالغة، أو على وقوعه موقع اسم المفعول. وإن قلنا: إنَّ " كُرْهاً " بالضَّمِّ اسم مفعولٍ، فلا يحتاج إلى شيء من ذلك. و " لَكُمْ " في محلِّ رفعٍ؛ لأنه صفة لكره، فيتعلَّق بمحذوفٍ أي: كرهٌ كائنٌ.

فصل في بيان الإذن في القتال

اعلم أنه - عليه الصّلاة والسّلام - كان غير مأذونٍ له في القتال مدة إقامته بمكة، فلمَّا هاجر أُذن له في قتال من يقاتله من المشركين، ثمَّ أُذن له في قتال المشركين عامَّةً، ثم فرض الله الجهاد.

واختلف العلماء في حكم هذه الآية، فقال عطاء: الجهاد تطوعٌ والمراد بهذه الآية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت دون غيرهم، وإليه ذهب الثَّوْرِيُّ، واحتجوا بقوله تعالى:فَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى ٱلْقَٰعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ } [النساء: 95] ولو كان القاعد تاركاً للفرض، لم يكن يعده الحسنى.

قالوا: وقوله: " كُتِبَ " يقتضي الإيجاب، ويكفي في العمل به مرَّةً واحدةً.

وقوله: " عَلَيْكُمْ " يقتضي تخصيص هذا الخطاب بالموجودين في ذلك الوقت، وإنما قلنا إنَّ قولهكُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِصَاصُ } [البقرة: 178]كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ } [البقرة: 183] حال الموجودين فيه كحال من سيوجد بعد ذلك؛ بدليلٍ منفصلٍ، وهو الإجماع، وذلك غير معقولٍ ها هنا؛ فوجب أن يبقى على الأصل، ويدل على صحة هذا القول قوله تعالى:

السابقالتالي
2 3