الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَٱللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }

قوله تعالى: " زُيِّنَ ": إنَّما لم تلحق الفعل علامة تأنيثٍ لوجوهٍ:

أحدها: قال الفرَّاء: لأنَّ الحياة والإحياء واحدٌ، فإن أُنِّثَ، فعلى اللَّفظ، وبها قرأ ابن أبي عبلة، وإن ذُكِّر، فعلى المعنى؛ كقوله:فَمَنْ جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ } [البقرة: 275]وَأَخَذَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيْحَةُ } هود: 67].

وثانيها: قال الزَّجَّاج: إنَّ تأنيث الحياة ليس بحقيقي؛ لأنَّ معنى الحياة والعيشِ والبقاء واحدٌ، فكأنه قال: " زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا البَقَاءُ ".

وثالثها: قال ابن الأنباري: إنما لم يقل زيِّنت؛ لأنه فصل بين " زُيِّنَ " وبين الحياة الدنيا بقوله: " للذين كَفَرُوا " ، وإذا فصل بين فعل المؤنث، وبين الاسم بفاصلٍ حَسُنَ تذكير الفعل؛ لأنَّ الفاصل يغني عن تاء التأنيث، وقرأ مجاهد وأبو حيوة: " زَيَّنَ " مبنياً للفاعل، و " الحياةَ " مفعول، والفاعل هو الله تعالى عند الأكثرين، وعند الزجاج والمعتزلة يقولون: إنه الشيطان.

وقوله: " يَسْخَرُون " يحتمل أن يكون من باب عطف الجلمة الفعلية على الجملة الفعلية، لا من باب عطف الفعل وحده على فعل آخر، فيكون من عطف المفردات؛ لعدم اتِّحاد الزمان.

ويحتمل أن يكون " يَسْخَرُون " خبر مبتدأ محذوفٍ، أي: وهم يسخرون، فيكون مستأنفاً، وهو من عطف الجملة الاسمية على الفعلية. وجيء بقوله: " زُيِّن " ماضياً؛ دلالةً على أنَّ ذلك قد وقع، وفرغ منه، وبقوله: " وَيَسْخَرُونَ " مضارعاً؛ دلالة على التَّجَدُّد، والحدوث.

قوله: { وَٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ فَوْقَهُمْ } مبتدأ وخبر، و " فَوْقَ " هنا تحتمل وجهين:

أحدهما: أن تكون ظرف مكانٍ على حقيقتها؛ لأنَّ المتقين في أعلى علِّيِّين، والكافرين في أسفل السَّافلين.

والثاني: أن تكون الفوقية مجازاً: إمَّا بالنسبة إلى نعيم المؤمنين في الآخرة، ونعيم الكافرين في الدنيا. وإمّا أنّ حجة المؤمنين في القيامة فوق حجَّة الكافرين، وإمَّا أن سخرية المؤمنين لهم في الآخرة، فوق سخرية الكفار لهم في الدنيا.

و " يوم " منصوبٌ بالاستقرار الذي تعلَّق به " فَوْقَهُمْ " وقوله: { مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } ثم قال: { وَٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ } لتبيين أنَّ السعادة الكبرى لا تحصل إلاَّ للمؤمن التَّقيّ.

فصل

قال ابن عبَّاسٍ: نزلت في كفَّار قريشٍ، كانوا يسخرون من فقراء المسلمين كعبد الله بن مسعودٍ، وعمَّارٍ، وخبَّابٍ، وسالمٍ مولى أبي حذيفة، وعامر بن فهيرة، وأبي عبيدة بن الجرَّاح، وصهيبٍ، وبلالٍ، بسب ما كانوا فيه من الفقر، والصَّبر على أنواع البلاء، مع ما كان الكُفَّار فيه من النَّعيم، والرَّاحة، وبسط الرِّزق.

وقال عطاءٌ: نزلت في رؤساء اليهود، وعلمائهم، من بني قريظة، والنَّضير، وبني قينقاع؛ سخروا من فقر المسلمين المهاجرين حيث أُخرجوا من ديارهم، وأموالهم، فوعدهم الله أن يعطيهم أموال بني قريظة والنَّضير بغير قتالٍ.

السابقالتالي
2 3 4 5 6